وجعل نوره في القلب، يدرك الغائبات بالوسائط، والمحسوسات بالمشاهدة، وهو للقلب بمنزلة الروح للجسد، فكل قلب لا عقل له فهو ميت، وهو بمنزلة قلب البهائم، وسئل النبي - ﷺ -: من أحسن الناس عقلًا؟ قال: "المسارع إلى مرضاة الله تعالى، والمجتنب عن محارم الله تعالى"، قالوا أخف حلمًا من العصفور، قال حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -:

لاَ بَأسَ بِالْقَوْمِ مِنْ طُوْلٍ وَمِن عِظَمٍ جِسْمُ الْبِغَالِ وَأحْلاَمُ الْعَصَافِيْرِ
وقرأ ابن عامر: ﴿والشمس﴾ وما بعده بالرفع على الابتداء، والخبر ﴿مسخرات﴾، وقرأ حفص: و ﴿النجوم﴾ ﴿مسخراتٌ﴾ برفعهما، وقرأ ابن مسعود والأعمش وابن مصرف. ﴿والرِّياحُ﴾ ﴿مسخراتٌ﴾ بدل و ﴿النجومُ﴾ ﴿مسخرات﴾ وهي مخالفة لسواد المصحف، والظاهر في قراءة نَصْبِ الجميع أنَّ ﴿والنجومُ﴾ معطوف على ما قبله، و ﴿مسخرات﴾ حالٌ مؤكدة من الجميع.
١٣ - وقوله: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ معطوف على الليل والنهار رفعًا ونصبًا؛ أي: وسخر لكم سبحانه وتعالى ما خلق لكم في الأرض، من عجائب الأمور ومختلف من حيوان ونبات ومعادن حالة كونه: ﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ وهيئات من خضرة وبياض وحمرة وسواد، وغير ذلك على اختلاف أجناسها وأشكالها ومنافعها وخواصِّها ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الذي ذكر من التسخيرات ونحوها، أو إن في اختلاف ما في الأرض ﴿لآيَةً﴾ دالة على أن من هذا شأنه واحد لا شريك له ﴿لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ آلاء الله ونعمه، فيشكرونه على ما أنعم، ويخبتون إليه على ما تفضل به وأحسن، فإن ذلك غير محتاج إلا إلى تذكر ما عسى يفضل عنه من العلوم الضرورية.
وختم هذا بقوله (١): ﴿يَذَّكَّرُونَ﴾ ومعناه الاعتبار والاتعاظ، كأن علمهم بذلك سابق طرأ عليه النسيان، فقيل يذكرون؛ أي: يتذكرون ما نسوا من تسخير هذه المكونات في الأرض.
(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon