ما فيه من الدلالة على وحدانية الرب سبحانه وكمال قدرته، وقد جمع الله سبحانه لعباده في هذا المقام بين التذكير لهم بآياته الأرضية والسماوية والبحرية، فأرشدهم إلى النظر والاستدلال بالآيات المتنوعة المختلفة الأمكنة إتمامًا للحجة، وتكميلًا للإنذار، وتوضيحًا لمنازع الاستدلال ومناطات البرهان ومواضع النظر والاعتبار.
ثم ذكر العلة في تسخير البحر فقال: ﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾؛ أي: وهو تعالى الذي سخر لكم البحر لتصطادوا منه؛ أي: من حيوانه، فهو على حذف مضاف ﴿لَحْمًا﴾؛ أي: سمكًا طريًّا، أي: رطبًا؛ أي: سخر لكم لتأكلوا سمكًا رطبًا تصطادونه منه أي من حيوانه.
والتعبير (١) عن السمك باللحم مع كونه حيوانًا، لانحصار الانتفاع به في الأكل، وفي وصفه (٢) بالطراوة والرطوبة تنبيه إلى أنه ينبغي المسارعة إلى أكله، لأنه يسرع إليه الفساد والتغير، وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء، فسبحان الخبير بخلقه، وبما يضر استعماله وما ينفع، وفيه أيضًا إيماء إلى كمال قدرته تعالى في خلقه الحلو الطري في الماء المر الذي لا يشرب.
وقد كره العلماء أكل الطافي منه على وجه الماء، وهو الذي يموت حتف أنفه في الماء فيطفو على وجهه، لحديث جابر عن النبي - ﷺ -: "ما نضب عنه الماء فكلوا، وما لفظه فكلوا، وما طفا فلا تأكلوا". فالمراد منه ميتة البحر في الحديث: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" هو ما لفظه، لا ما مات فيه من غير سبب، ﴿و﴾ سخر لكم البحر أيضًا (﴿لتستخرجوا منه﴾؛ أي: من جواهره ﴿حِلْيَةً﴾؛ أي: زينة ﴿تَلْبَسُونَهَا﴾؛ أي: تتزينون أنتم ونساؤكم بها، والمراد بالحلية المذكور في الآية اللؤلؤ المخلوق في صدفه العائش في البحار، ولا سيما المحيط الهندي، والمرجان الذي ينبت في قيعانها، لقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ فهما حلالان للرجال والنساء، ولا حاجة لما تكلَّفه جماعة

(١) المراح.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon