لا يستمسك وإنما يخرج في السنة مرة ملفوفًا في خرقة، أو موضوعًا على صحيفة من فضة ﴿و﴾ جعل سبحانه وتعالى في الأرض ﴿أنهارًا﴾ لأن (١) في ﴿ألقى﴾ معنى الجعل، إذ الإلقاء جعل مخصوص، وهي جمع نهر، ويحرك وهو مجرى الماء، وذلك مثل الفرات نهر الكوفة، ودجلة نهر بغداد، وجيحون نهر بلخ، وجيحان نهر أذنة في بلاد الأرمن، وسيحون نهر الهند، وسيحان نهر المصيصة، والنيل نهر مصر، وغيرها من الأنهار الجارية في أقطار الأرض.
وحاصل المعنى: أي (٢) وألقى سبحانه وتعالى في الأرض جبالًا ثوابت، لتقر الأرض ولا تضطرب بما عليها من الحيوان، فلا يهنأ لهم عيشٌ بسبب ذلك، كما قال: ﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ وما الأرض إلا كسفينةٍ على وجه البحر، فإذا لم يكن فيها أجرام ثقيلة.. تضطرب وتميل من جانب إلى جانب بأدنى الأسباب، وإذا وضعت فيها أجرام ثقيلة.. استقرت على حال واحدة، فكذا الأرض لو لم يكن عليها هذه الجبال لاضطربت.
﴿و﴾ جعل فيها ﴿أنهارًا﴾ تجري من مكان إلى آخر رزقًا للعباد، وهي تنبع في مواضع وهي رزق لأهل مواضع أخرى، فهي تقطع البقاع والبراري، وتخترق الجبال والآكام حتى تصل إلى البلاد التي سخر لأهلها أن تنتفع بها، كما يشاهد في نهر النيل إذ ينبع من أواسط أفريقية، ويمر بجبال ووهاد في السودان، ويستفيد منه الفائدة الكبرى أهل مصر دون سواها، وكل ذلك بتقدير اللطيف الخبير، وذكر الأنهار عقب الجبال، لأن معظم عيون الأنهار وأصولها تكون من الجبال كما في "الخازن" ﴿و﴾ كذلك جعل سبحانه وتعالى في الأرض ﴿سبلًا﴾ وطرقًا مختلفة، نسلك فيها من بلاد إلى بلاد أخرى، وقد تحدث ثلمة في الجبل لتكون ممرًا طريقًا، كما قال تعالى في وصف الجبال: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا...﴾ الآية، جمع سبيل، وهو الطريق وما وضح.
﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾؛ أي: لكي تهتدوا بها في أسفاركم إلى مقاصدكم

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon