لا يخلق كمن يخلق، فخولف في خطابهم؛ لأنهم بالغوا في عبادتها، حتى صارت عندهم أصلًا في العبادة، وصار الخالق فرعًا فجاء الإنكار على وفق ذلك مجاراة على معتقدهم.
والهمزة في قوله: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تلاحظون القدرة الباهرة للخالق سبحانه، والعجز الظاهر للأصنام، فلا تذكرون ذلك فتعرفون فساد ما أنتم عليه يا أهل مكة، فإنه بوضوحه بحيث لا يفتقر إلى شيء سوى التذكر.
ومعنى الآية: أي أفمن (١) يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم، وينعم هذه النعم العظيمة.. كمن لا يخلق شيئًا ولا ينعم نعمًا صغيرة ولا كبيرة؟ أفلا تذكرون هذه النعم، وهذا السطان العظيم، والقدرة على ما شاء من الحكمة، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها، وأنها لا تجلب إلى نفسها نفعًا ولا تدفع ضرًّا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه من عبادتها، وإقراركم لها بالألوهية.
وخلاصة هذا: الإنكار عليهم، ورميهم بالجهل، وسوء التقدير، وقلة الشكر لمن أنعم عليهم بما لا يحصى من النعم، مع وضوح ذلك وقلة احتياجه إلى تدبر وتفكر وإطالة نظر، بل يكفي فيه تنبه العقل ليعلم أن العبادة لا تليق إلا للمنعم بكل هذه النعم، أما هذه الأصنام التي لا فهم لها ولا قدرة ولا اختيار، فلا تنبغي عبادتها ولا الاشتغال بطاعتها.
قال قتادة في الآية: الله هو الخالق الرازق، لا هذه الأوثان التي تعبد من دون الله، التي لا تخلق شيئًا، ولا تملك لأهلها ضرًّا ولا نفعًا اهـ.
١٨ - وبعد أن نبههم سبحانه إلى عظمته، ذكرهم بنعمه عليهم، وإحسانه إليهم فقال: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى الفائضة عليكم مما لم يذكر ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ أي (٢): لا تطيقوا إحصاءها وحصرها، وضبط عددها ولو إجمالًا، فضلًا عن القيام بشكرها، يقال: أحصاه؛ أي: عده كما في "القاموس"، وأصله

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon