أن الحساب كان إذا بلغ عددًا وضعت له حصاة، ثم استؤنف العدد.
والمعنى: لا توجد له غاية فتوضع له حصاة، وهذه الجملة تذكير إجمالي بنعمه تعالى، بعد تعداد طائفة منها، وكان الظاهر إيرادها عقبها تكملة لها، على طريقة قوله تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ ذكره أبو السعود.
والمعنى: أي وإن تعدوا نعم الله تعالى لا تضبطوا عددها، فضلًا عن أن تستطيعوا القيام بشكرها، فإن العبد مهما أتعب نفسه في طاعته، وبالغ في شكران نعمه، فإنه يكون مقصرًا، فنعم الله تعالى كثيرة، وعقل المخلوق قاصر عن الإحاطة بها، ومن ثم فهو يتجاوز عن ذلك التقصير، وإلى ذلك أشار بقوله: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَغَفُورٌ﴾؛ أي: لستور فيستر عليكهم تقصيركم في القيام بشكرها، ويتجاوز عنه، ﴿رَحِيمٌ﴾؛ أي: كثير الرحمة بكم، عظيم النعمة عليكم، لا يقطعها عنكم فيفيض عليكم نعمه مع استحقاقكم للقطع والحرمان، بسبب ما أنتم عليه من أصناف الكفر والعصيان، ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها، ومن أفظع ذلك وأعظمه جرمًا المساواة بين الخالق والمخلوق، وتقديم (١) وصف المغفرة على نعت الرحمة لتقدم التخلية على التحلية.
قال بعض الحكماء (٢): إن أي جزء من البدن إذا اعتراه الألم نغص على الإنسان النعم، وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت في ملكه حتى يزول عنه ذلك الألم، وهو سبحانه يدبر جسم الإنسان على الوجه الملائم له، مع أنه لا علم له بوجود ذلك، فكيف يطيق حصر نعمه عليه، أو يقدر على إحصائها، أو يتمكن من شكر أدناها انتهى.
واعلم (٣): أنه لو صرف جميع عمر الإنسان إلى الأعمال الصالحة، وإقامة الشكر.. لما كافىء نعمة الوجود، فضلًا عن سائر النعم، ولله در القائل:
لَوْ عِشْتُ ألْفَ عَامٍ | في سَجْدَةٍ لِرَبِّي |
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.