وروي في هذا السبب (١): أنّ اليهود قالت: إن أجابكم عن الثلاثة، فليس بنبي، وإن أجاب عن اثنتين، وأمسك عن الأخرى فهو نبي، فأنزل الله سورة أهل الكهف، وأنزل بعد ذلك ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾، وأخرج (٢) ابن مردويه عن ابن عباس قال: اجتمع عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، والنضر بن الحارث، وأميّة بن خلف، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله - ﷺ - قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النّصيحة، فأحزنه حزنا شديدا، فأنزل الله سبحانه ﴿فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ...﴾ الآية.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الْحَمْدُ﴾؛ أي: المدح والثناء والشكر كله مستحق ﴿لِلَّهِ﴾ سبحانه وتعالى؛ لأن وجود كلّ شيء نعمة من نعمه تعالى، فلا منعم إلا هو، قال (٣) القيصري رحمه الله تعالى: الحمد قوليٌّ، وفعليٌّ، وحاليٌّ، أما القولي: فحمد اللسان، وثناؤه عليه بما أثنى به الحق على نفسه على لسان أنبيائه عليهم السلام، وأما الفعلي: فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاء لوجه الله تعالى، وتوجهًا إلى جنابه الكريم، وأما الحالي: فهو الذي يكون بحسب الروح والقلب، كالاتصاف بالكمالات العلمية، والعملية، والتخلق بالأخلاق الإلهية؛ لأن النّاس مأمورون بالتخلق بلسان الأنبياء، صلوات الله عليهم، لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم ﴿الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ﴾ محمد - ﷺ -، وفيه (٤) إشعارٌ بأنّ شأن الرسول أن يكون عبدا للمرسل، لا كما زعمت النصارى في حق عيسى - عليه السلام - ﴿الْكِتابَ﴾؛ أي القرآن الحقيق باسم الكتاب.
علّم (٥) سبحانه عباده كيف يحمدونه على إفاضة نعمه عليهم، ووصفه
(٢) لباب النقول.
(٣) روح البيان.
(٤) روح البيان.
(٥) الشوكاني.