بالموصول يشعر بعليّة ما في حيز الصلة لما قبله، ووجه كون إنزال الكتاب - وهو القرآن - نعمة على رسوله - ﷺ -، كونه اطّلع بواسطته على أسرار التوحيد، وأحوال الملائكة، والأنبياء، وعلى كيفية الأحكام الشرعية التي تعبّده الله وتعبّد أمّته بها، وكذلك العباد، كان إنزال الكتاب على نبيهم نعمة لهم، لمثل ما ذكرناه في النبي - ﷺ -، و ﴿الواو﴾ في قوله: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ﴾؛ أي: الكتاب ﴿عِوَجًا﴾؛ أي: اختلافًا في اللفظ، وتناقضًا في المعنى، أو ميلًا عن الحق، حاليّة، فالجملة حال أولى من الكتاب كما قاله الأصبهاني، ولكنها حال سببية؛ أي (١): أنزله غير جاعل له عوجًا؛ أي شيئًا من العوج بنوع اختلال في النظم، وتناف في المعنى، أو عدول عن الحق إلى الباطل.
والخلاصة: لا خلل في لفظه، ولا في معناه، واختار حفصٌ عن عاصم السكت على عِوَجًا وهو وقفةٌ لطيفةٌ من غير تنفس لئلا يتوهّم أنّ ما بعده صفة له،
٢ - وقوله: ﴿قَيِّمًا﴾؛ أي: مستقيمًا معتدلًا لا إفراط فيه، ولا تفريط، أو قيّمًا بالمصالح الدينية والدنيوية للعباد، فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال حال ثانية من الكتاب مؤكدة للأولى، فهي حال مترادفة، أو من الضمير في ﴿لَهُ﴾ فهي متداخلة. ومعنى لا إفراط فيه؛ أي: فيما اشتمل عليه من التكاليف، حتى يشق على العباد، ومعنى لا تفريط فيه؛ أي: بإهمال ما يحتاج إليه، حتى يحتاج إلى كتاب آخر كما قال: ﴿ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
وقال العلماء (٢) باللغة والتفسير: في هذه الآية تقديم وتأخير، تقديرها: أنزل على عبده الكتاب قيمًا، ولم يجعل له عوجًا، وقال الكرماني: إذا جعلته حالًا - وهو الأظهر - فليس فيه تقديم ولا تأخير، والصحيح أنهما حالان من الكتاب الأولى جملة، والثانية مفرد، انتهى ذكره في «البحر»، وقرأ أبو رجاء وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن يعمر، والنخعي، والأعمش، قيما بكسر القاف وفتح الياء، وقرأ الجمهور ﴿قَيِّمًا﴾ بتشديد الياء وفتح القاف، كما سبق في سورة الأنعام.

(١) روح البيان.
(٢) زاد المسير.


الصفحة التالية
Icon