﴿لِيُنْذِرَ﴾ ويخوف؛ أي: أنزل على عبده الكتاب لينذر الكتاب أو محمد بما فيه الذين كفروا بالله ورسوله، فحذف (١) المفعول الأول، اكتفاءً بدلالة القرينة، واقتصارًا على الغرض المسوق إليه، ﴿بَأْسًا﴾؛ أي: عذابًا ﴿شَدِيدًا﴾ صادرا مِنْ ﴿لَدُنْهُ﴾؛ أي: من عنده تعالى، نازلًا من قبله بمقابلة كفرهم وتكذيبهم، وهو إما عذاب الاستئصال في الدنيا، أو عذاب النار في العقبى، أو كلاهما، وإنما قال: ﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾؛ لأنه هو المعذب دون الغير ﴿وَيُبَشِّرَ﴾ ذلك الكتاب، أو محمدٌ ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: المصدّقين ﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ﴾؛ أي: الأعمال الصالحة وهي ما كانت لوجه الله تعالى ﴿أَنَّ لَهُمْ﴾ أي بأن لهم في مقابلة إيمانهم وأعمالهم المذكورة ﴿أَجْرًا حَسَنًا﴾ وثوابًا جسيما هو الجنة، وما فيها من النعيم
٣ - حالة كونهم ﴿ماكِثِينَ فِيهِ﴾؛ أي: في ذلك الأجر الحسن ﴿أَبَدًا﴾ من غير انقطاع، وانتهاء وتغير حال، نصب على الظرفية لـ ﴿ماكِثِينَ﴾ وتقديم الإنذار على التبشير، لتقدم التّخلية على التحلية.
وقرأ أبو بكر (٢): ﴿من لدنه﴾ بإسكان الدال إسكان الباء من سبع مع إشمامها الضمّ، ليدل على أصله، وكسر النون لالتقاء الساكنين، وكسر الهاء للإتباع، وروى أبو زيد عن جميع القراء فتح اللام وضمّ الدال وسكون النون، وقرأ (٣) حمزة والكسائي ﴿يبْشر﴾ بفتح الياء، وسكون الموحدة، وضم الشين، وقرأ الجمهور (٤): ﴿وَيُبَشِّرَ﴾ بالنصب عطفًا على ﴿لِيُنْذِرَ﴾ وقرىء بالرفع.
والمعنى: حمد الله سبحانه نفسه على إنزاله كتابه العزيز إلى رسوله - ﷺ -؛ لأنه أعظم نعمةٍ أنزلها على أهل الأرض، إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، وجعله كتابًا مستقيمًا لا اعوجاج فيه، ولا زيغ، بل يهدي إلى الحق، وإلى صراط مستقيم.
وخلاصة ذلك: أنه تعالى أنزل الكتاب على عبده محمد - ﷺ - مستقيمًا لا
(٢) البيضاوي.
(٣) المراح.
(٤) البحر المحيط.