من الأعداء ﴿وَهَيِّئْ لَنا﴾؛ أي: يسر لنا، وأصلح ورتِّب، وأتمم لنا ﴿مِنْ أَمْرِنا﴾ الذي هو مهاجرة الكفار، والمثابرة على الطاعة ﴿رَشَدًا﴾؛ أي: إصابةً للطريق الموصل إلى المطلوب، واهتداء إليه، وكلا الجارّين متعلق بـ ﴿هَيِّئْ﴾ لاختلافهما في المعنى.
أي: اذكر أيها الرسول حين أوى أولئك الفتية إلى الكهف، هربًا بدينهم من أن يفتنهم عباد الأصنام، والأوثان، وقالوا: إذ ذلك ربنا يسر لنا بما نبتغي من رضاك، وطاعتك رشدا من أمرنا وسدادا إلى العمل الذي نحب، وارزقنا المغفرة، والأمن من الأعداء.
١١ - ﴿فَضَرَبْنا﴾ فعقب هذا القول ﴿ضربنا﴾ وألقينا ﴿عَلَى آذانِهِمْ﴾ حجابًا يمنع من أن تصل إلى أسماعهم الأصوات الموقظة من نومهم حالة كونهم مستقرين ﴿فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾؛ أي: سنين ذوات عدد كثيرة، وهي ثلاث مئة وتسع سنين، ويستفاد من وصف السنين بالعدد الكثرة، وقيل (١): منه التقليل؛ لأنّ الكثير قليل عند الله سبحانه
١٢ - ﴿ثُمَّ﴾ بعد تلك السنين الكثيرة ﴿بَعَثْناهُمْ﴾؛ أي: أيقظناهم من تلك النومة الثقيلة الشّبيهة بالموت، وفيه دليل على أن النّوم أخو الموت في اللوازم من البعث، وتعطيل الحياة، والالتحاق بالجمادات، ﴿لِنَعْلَمَ﴾ ونختبر ﴿أَيُّ الْحِزْبَيْنِ﴾؛ أي: أي الفريقين المختلفين في مدة لبثهم بالتقدير، والتفويض، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن أحد الحزبين الفتية، والآخر الملوك الذين تداولوا المدينة ملكًا بعد ملك، وذلك لأنّ اللام للعهد، ولا عهد لغيرهم، والتّصحيح ما سيأتي قريبا، وأيّ مبتدأ خبره قوله: ﴿أَحْصى﴾ فعل (٢) ماض، وهو الصحيح لا أفعل تفضيل، لأنّ المقصود بالاختبار إظهار عجز الكل عن الإحصاء رأسًا لا إظهار أفضل الحزبين وتمييزه عن الأدنى مع تحقق أصل الإحصاء فيهما؛ أي ضبط ﴿لِما لَبِثُوا﴾؛ أي للبثهم فما مصدرية ﴿أَمَدًا﴾؛ أي: غاية وزمنًا، فالمراد بالأمد هنا المدة، وهو مفعول به ﴿لأحصى﴾، والجار

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon