والمجرور حال منه قدمت عليه لكونه نكرة؛ أي: لنختبر أي الحزبين أحصى وضبط أمدًا ومدة للبثهم فيظهر لهم عجزهم، ويفوّضوا ذلك إلى العليم الخبير، ويتعرّفوا حالهم، وما صنع الله بهم من حفظ أبدانهم، وأديانهم، فيزدادوا يقينا بكمال قدرته وعلمه، ويستبصروا أمر البعث، ويكون ذلك لطفا لمؤمني زمانهم، وآية بيّنة لكفارهم، وقرأ (١) أبو الجوزاء وأبو عمران، والنخعي ﴿ليعلم﴾ بضم الياء على ما لم يسمّ فاعله، ويعني بالحزبين المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف؛ أي: لنعلم أهؤلاء أحصى للأمد، أو هؤلاء، فكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف، بعد خروجهم من بينهم، فبعثهم الله ليبين ذلك ويظهر، والظاهر أنّ المراد بالحزبين نفس أصحاب الكهف، لا أهل المدينة؛ لأنهم لمّا تيقظوا اختلفوا في أنهم كم لبثوا، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم، قالوا ربكم أعلم بما لبثتم، فالحزبان هما: هذان، وكأنّ الذين قالوا: ربكم أعلم بما لبثتم، هم الذين علموا أنّ لبثهم قد تطاول اهـ من «الفتوحات».
وقرأ أبو جعفر، وشيبة، والزهري (٢): ﴿وهيء﴾ ﴿ويهيء﴾ بيائين من غير همز، يعني أنه أبدل الهمزة الساكنة ياء، وفي كتاب ابن خالويه الأعشى عن أبي بكر، عن عاصم، و ﴿هي﴾ لنا ﴿ويهي﴾ لكم لا يهمز انتهى. فاحتمل أن يكون أبدل الهمزة ياءً، واحتمل أن يكون حذفها، فالأول: إبدالٌ قياسي، والثاني: مختلف فيه، ينقاس حذف الحرف المبدل من الهمزة في الأمر أو المضارع إذا كان مجزومًا.
وقرأ أبو رجاء ﴿رُشْدا﴾ بضم الراء وإسكان الشين، وقرأ الجمهور ﴿رَشَدًا﴾ بفتحهما، قال ابن عطية: وهي أرجح لشبهها بفواصل الآيات قبل وبعد، وهذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم، وألفاظه تقتضي ذلك، وينبغي لكل مؤمن أن يجعل دعاءه في أمر دنياه هذه الآية، فإنها كافية.
١٣ - ثم شرع في تفصيل ما أجمل
(٢) البحر المحيط.