﴿اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ﴾ سبحانه وتعالى خبر المبتدأ ﴿آلِهَةً﴾؛ أي: أصناما يعبدونها ﴿لَوْلا﴾ حرف تحضيض؛ أي: هلا ﴿يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على عبادة الأصنام ﴿بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ﴾؛ أي: بحجة واضحةٍ تصلح للتمسك بها، وفيه تبكيت لهم، لأن الإتيان بحجة على عبادة الأصنام محال.
أي: إن قومنا هؤلاء، وإن كانوا أكبر منا سنًا وأكثر تجربةً، قد أشركوا مع الله غيره، فهلا أتوا بحجة بينة على صدق ما يقولون، كما أتينا على صدق ما ندّعي بالأدلة الظاهرة، وإنّهم لأظلم الظالمين، فيما فعلوا، وفيما افتروا، ومن ثمّ قال: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ﴾؛ أي: من أشد ظلمًا ﴿مِمَّنِ افْتَرى﴾ واختلق ﴿عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾، والاستفهام فيه إنكاري بمعنى النفي؛ أي: لا أظلم ممن افترى على الله الكذب، ونسب إليه الشريك، وزعم أن له ولدًا، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، فإنّ (١) الحكم بثبوت الشيء مع عدم الدليل عليه ظلم وافتراء على الله، وهذا من أعظم الدلائل على فساد القول بالتقليد.
والمعنى: أنّه (٢) أظلم من كلّ ظالم، وعذابه أعظم من كل عذاب؛ لأن الظّلم موجب للعذاب، فيكون الأعظم للأظلم،
١٦ - ثم قال بعض الفتية لبعض منهم، وقت اعتزالهم عن قومهم ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ﴾ وعبادتهم ﴿إِلَّا اللَّهَ﴾، أي: إلّا عبادته سبحانه وتعالى، أو وإذا اعتزلتموهم ومعبوديهم إلا الله؛ أي: وإذ أردتم اعتزالهم، ومفارقتهم، واعتزال الشيء الذي يعبدونه ﴿إِلَّا اللَّهَ﴾ أي: إلا عبادته.
وعلى التقديرين: فالاستثناء متصل على تقدير كونهم مشركين كأهل مكة، ومنقطع على تقدير تمحضهم في عبادة الأوثان، ﴿فَأْوُوا﴾؛ أي: التجئوا ﴿إِلَى الْكَهْفِ﴾، وصيروا إليه، واجعلوه مأواكم.
قال الفراء (٣): هو جواب إذ، ومعناه اذهبوا إليه، واجعلوه مأواكم، وقيل:
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.