علمه، وقدرته، وحقّية التوحيد، وكرامة أهله عنده، ثمّ بيّن أن هدايتهم إلى التوحيد كانت بعناية الله ولطفه، فقال: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ﴾؛ أي: من يوفّقه الله للاهتداء بآياته، وحججه إلى الحق، كأصحاب الكهف. ﴿فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ الذي أصاب سبيل الحق، وفاز بالحظ الأوفر في الدارين، فلن يقدر على إضلاله أحد، والمراد: إما الثناء عليهم، بأنهم المهتدون، أو التنبيه على أن أمثال هذه الآية كثيرة، ولكن المنتفع بها من وفّقه الله للاستبصار بها، كأصحاب الكهف، وقوله: ﴿فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ بدون ياء في الرسم؛ لأنها من ياءات الزوائد، وهي لا تثبت فيه، وأما في النطق فعند الوقف تحذف عند الجميع، وعند الوصل بعض السبعة يحذفها، وبعضهم يثبتها اهـ شيخنا.
وفي هذا (١): إيماء إلى أن أصحاب الكهف أصابوا الصّواب ووفّقوا لتحقيق ما أمّلوا من نشر الرحمة عليهم، وتهيئة المرفق لهم، ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ﴾؛ أي: ومن يضلله الله لسوء استعداده، وصرف اختياره إلى غير سبل الهدى والرشاد، ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾؛ أي: ناصرا يهديه إلى الحق، كدقيانوس وأصحابه؛ أي: فلن تجد له أبدًا خليلًا، ولا حليفًا يرشده لإصابة سبل الهداية، ويخلصه من الضلال؛ لأن التّوفيق والخذلان بيد الله، يوفق من يشاء من عباده، ويخذل من يشاء، وفي هذا تسلية لرسوله - ﷺ - وإرشادٌ له إلى أنه لا ينبغي له أن يحزن على إدبار قومه عنه، وتكذيبهم إياه، فإن الله لو شاء.. لهداهم وآمنوا.
١٨ - ﴿وَتَحْسَبُهُمْ﴾؛ أي: وتحسب أيها الرسول أو أيّها المخاطب أصحاب الكهف، وتظنّهم لو رأيتهم ﴿أَيْقاظًا﴾؛ أي: منتبهين لانفتاح أعينهم على هيئة الناظر ﴿وَهُمْ رُقُودٌ﴾؛ أي: نيام جمع راقد كقاعد، وقعود؛ أي: والحال أنهم راقدون نائمون؛ أي: ولو رأيتهم.. لظننتهم في حال يقظة لانفتاح أعينهم، كأنهم ينظرون إلى من أمامهم، والحال أنهم: نائمون لما بهم من الحال الخاصة بالنوم، كاسترخاء المفاصل، والأعضاء، ولا سيما العينان والوجه ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ﴾؛ أي:

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon