قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (١): أنّ الله سبحانه وتعالى لما ذكر في الآية الأولى: أنه أكرم عبده، ورسوله محمدًا - ﷺ - بالإسراء من مكة إلى بيت المقدس.. أردف ذلك بذكر ما أكرم به موسى عليه السلام قبله من إعطائه التوراة، وجعله هدى لبني إسرائيل ليخرجهم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور العلم والهدى، ثمّ قفّى على ذلك ببيان أنّهم ما عملوا بهديها بل أفسدوا في الأرض، فسلّط الله عليهم البابليين، أثخنوا فيهم، وقصدوهم بالقتل، والنهب، والسلب، ثم أزال عنهم هذه المحنة، وأعاد لهم الدولة، وأمدهم بالأموال، والبنين، وجعلهم أكثر عددا مما كانوا، ثم عادوا إلى عصيانهم، وقتلوا ذكريا، ويحيى - عليهما السلام - فَسَلَّط الله عليهم من أدال دولتهم مرة أخرى، فأعمل فيهم السيف، وسلب، ونهب، وجاس خلال ديارهم، فدخل بيت المقدس مرّة أخرى بالقهر والغلبة والإذلال، وأهلك ما أهلك، مما قد جمعوه وكنزوه، ثم أوعدهم على عصيانهم بالعقاب في الآخرة بنار جهنم، وبئس السجن هي لمن عصى الله وخالف أوامر دينه تعالى.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر ما أكرم به من اصطفاه من النبيين والمرسلين، فأكرم محمدا - ﷺ - بالإسراء، وأكرم موسى بالتوراة، وجعلها هدى لبني إسرائيل، ثم بيّن أنهم لم يعملوا بها، فحل بهم عذاب الدنيا والآخرة.. قفّى على ذلك بالثناء على القرآن الكريم، وبيان أنه يهدي إلى الصراط المستقيم، ويبشر المؤمنين بالأجر والثواب العظيم، وينذر الكافرين بالعذاب الأليم، ثم أردف ذلك بذكر طبيعة الإنسان، وأنه خلق عجولا قد يدعو على نفسه بالشر، أي: بالموت، والهلاك، والدمار، واللعنة كما يدعو لنفسه بالخير.
وعبارة أبي حيان هنا: لما ذكر (٢) تعالى من اختصه بالإسراء، وهو محمد - ﷺ - ومن آتاه التوراة، وهو موسى عليه السلام، وأنها هدًى لبني إسرائيل،
(٢) البحر المحيط.