وإجمال المعنى؛ أنه لما تبدى لها في صورة البشر، وهي في مكان منفرد، وبينها وبين قومها حجاب.. خافته وظنت أنه يريدها على نفسها، فقالت: إني أعوذ بالله منك، إن كنت تخافه، وقد فعلت المشروع في الدفع، وهو أن يكون بالهوينى، والأسهل فالأسهل.
وخلاصة ذلك: أن الاستعاذة لا تؤثر إلا في المتقي؛ لأن الله تعالى يخشى في حال دون حال، فهو كقوله تعالى ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: إن الإيمان يوجب ذلك،
١٩ - فلما علم جبريل خوفها.. ﴿قَالَ﴾ مجيبًا لها، ومزيلًا لما حصل لها من الخوف على نفسها ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ﴾ الناظر في مصلحتك، والمالك لأمرك، ولست ممن تظنّين، ولا يقع مني ما تتوهمين من الشر، ولكن رسول ربك، بعثني إليك.
﴿لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾؛ أي: ولدًا طاهرًا مبرأً من العيوب، وقد أضاف الهبة إلى نفسه من قبل أنها جرت على يده، بأن نفخ في جيبها بأمر الله تعالى، أو لكونه سببًا فيها من جهة كون الإعلام لها من جهته، والزكي: الطاهر من الذنوب، الذي ينمو على النزاهة والعفة، وقيل: المراد بالزكي: النبي.
وقرأ شيبة (١)، وأبو الحسن، وأبو بحرية، والزهري، وابن مناذر، ويعقوب، واليزيديّ، ومن السبعة نافع، وأبو عمرو: ﴿ليهب﴾؛ أي: ليهب ربك وقرأ الجمهور، وباقي السبعة، ﴿لِأَهَبَ﴾ بهمزة المتكلم
٢٠ - فلما عجبت مريم مما سمعت.. ﴿قَالَتْ﴾ مستبعدةً متعجبةً من حيث العادة، لا مستبعدةً من حيث القدرة؛ أي: قالت لجبريل: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾؛ أي: من أي وجه يكون لي ولد كما وصفت ﴿و﴾ الحال أني ﴿لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾؛ أي: لم يباشرني، ولم يقربني رجل بنكاح، ولست بذات زوج ﴿و﴾ الحال أَني أيضًا ﴿لَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾؛ أي: فاجرةً تبغي الرجال، ولا يتصور منِّي الفجور، تريد أنَّ الولد إما أن يكون من نكاح، أو سفاح ولم يكن هاهنا واحد منهما، ولم يقل (٢) بغية؛ لأنه وصف

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon