أي: مكانًا قصيًا بعيدًا عن أهلها، قيل: كان هذا المكان وراء الجبل، وقيل: أبعد مكان في تلك الدار، وقيل: أقصى الوادي وقيل: إنها فرت إلى مصر: وقيل: إلى موضع يعرف ببيت لحم، بينه وبين إيلياء أربعة أميال، ولا حاجة إلى تعيينه، وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة ﴿قاصيا﴾ ذكره ابن الجوزي.
وإنما اتخذت المكان البعيد حياءً من قومها، وهي من سلائل بيت النبوة، ولأنها استشعرت منهم باتهامها بالريبة، فرأت أن لا تراهم، وأن لا يروها.
قال وهب بن منبه (١): لما حملت مريم بعيسى.. كان معها ابن عم لها، يقال له يوسف النجار، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي عند جبل صهيون، وكان يوسف ومريم يخدمان ذلك المسجد، ولا يُعلم في أهل زمانهما أحد أشد عبادةً منهما، وأوَّل من علم حمل مريم هو يوسف، فتحيَّر في أمرها فكلما أراد أن يتهمها.. ذكر عبادتها، وأنها لم تغب عنه ساعةً قط، وإذا أراد أن يبرئها.. رأى الذي ظهر بها من الحمل، فأول ما تكلم به أن قال: قد وقع في نفسي من أمرك شيء، وقد حرصت على كتمانه، فغلبني ذلك، فرأيت أن الكلام فيه أشفى لصدري، فقالت: قل: قولًا جميلاً، قال: أخبريني يا مريم، هل ينبت زرع بغير بذر، وهل تنبت شجرة من غير غيث، وهل يكون ولد من غير ذكر، قالت: نعم ألم تعلم أن الله تعالى أنبت الشجرة من غير غيث، وبالقدرة جعل الغيث حياةَ الشجرة، بعدما خلق كل واحد منهما على حدة، أو نقول: إن الله تعالى لا يقدر على أن ينبت الشجرة حتى استعان بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباتها، فقال يوسف: لا أقول هذا، ولكني أقول: إن الله قادر على ما يشاء، فيقول له: كن فيكون، فقالت له مريم: ألم تعلم أن الله تعالى خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى، فعند ذلك زالت التهمة عن قلبه، وكان ينوب عنها في خدمة المسجد لاستيلاء الضعف عليها بسبب الحمل، وضيق القلب،
٢٣ - فلما دنت ولادتها.. أوحى الله إليها أن أخرجي من أرض قومك، فخرجت إلى أقصى الدار {فَأَجَاءَهَا