والجذع ما بين العرق والغصن؛ أي: أسفلها ما دون الرأس الذي عليه الثمر ﴿قَالَتْ﴾ مريم لما خافت أن يظن بها السوء في دينها، فيضع في المعصية من يتكلم فيها، وهي راضية بما بشرها به جبريل:
﴿يَا﴾؛ أي: أنبهك يا أيها المخاطب، أو يا هؤلاء ﴿لَيْتَنِي مِتُّ﴾؛ أي: أتمنى موت نفسي ﴿قَبْلَ هَذَا﴾ الوقت الذي رأيت فيه ما رأيت من الأمر العظيم، وقرأ (١) نافع، وحفص، وحمزة، والكسائي: ﴿مِتُّ﴾ بكسر الميم، والباقون بالضم ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا﴾؛ أي: شيئًا تافهاً حقيرًا، شأنه أن ينسى، ولا يعتد به أصلًا، كخرقة الطمث ونحوها، وقرأ حفص، وحمزة، وابن وثاب، والأعمش، وطلحة، وابن أبي ليلى: بفتح النون، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، والكسائي: بكسر النون، وهو فعل بمعنى مفعول، كالذبح وهو ما من شأنه أن يذبح، وقرأ محمد بن كعب القرظي ﴿نساءً﴾ بكسر النون والهمز مكان الياء، وهي: قراءة نوف الأعرابي، وقرأ بكر بن حبيب السهمي، ومحمد بن كعب، أيضًا: ﴿نسأ﴾ بفتح النون والهمزة، وهو مصدر من نسأت اللبن، إذا صببت عليه ماءً، فاستهلك اللبن فيه لقلته، فكأنها تمنت أن تكون مثل ذلك اللبن، الذي لا يرى ولا يتميز من الماء، وقال ابن عطية: وقرأ بكر بن حبيب ﴿نسأ﴾ بفتح النون والسين من غير همز، بناه على فعل كالقبض والنقض، بمعنى المقبوض والمنقوض ﴿مَنْسِيًّا﴾؛ أي: متروكًا لا يخطر ببال أحد من الناس، وهو نعت للمبالغة.
وهذا جري على عادة الصالحين عند اشتداد الأمر عليهم (٢)، فإنهم يقولون مثل ذلك، كما روي عن أبي بكر: أنه نظر إلى طائر على شجرة فقال: طوبى لك يا طائر، تقع على الشجرة وتأكل من الثمر، وددت أني ثمرةٌ ينقرها الطائر. وعن عمر أنه أخذ تبنة من الأرض فقال: يا ليتني هذه التبنة ولم أك شيئًا. وعن علي

(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon