أكلم الملائكة وأناجي ربي، وإنما منعت مريم من الكلام ليكون عيسى المتكلم عنها، فيكون أقوى لحجتها في إزالة التّهمَة عنها، ولكراهة مجادلة السفهاء.
والمعنى: أي فإن رأيت أحدًا من بني آدم يسألك عن أمرك وأمر ولدك وكيف ولدته.. فأشيري إليهم: أني أوجبت على نفسي لله صمتًا ألا أكلم اليوم أحدًا فإن كلامي يقبل الرد والجدل، ولكن يتكلم عني هذا المولود، الذي لا يقبل كلامه الدفع والرد، وإني أنزه نفسي مجادلة السفهاء، ولا أكلم إلا الملائكة أو أناجي الخالق، وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس: سفيه لم يجد مسافهًا، وفي الآية إشارة إلى الصوم عن الالتفات لغير الله تعالى، كما قال بعض السلف الدنيا يوم ولنا فيه صوم، ولا يكون إفطار إلا على مشاهدة الهلال.
والظاهر (١): أن الآمر لها بالأكل والشرب وذلك القول هو ولدها، وقيل: جبريل - عليه السلام - على الخلاف المار، وليس الصمت عن الكلام من شريعة الإِسلام، فقد روي أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - دخل على امرأة قد نذرت أن لا تتكلم، فقال: إن الإِسلام قد هدّم هذا فتكلمي.
وقرأ ابن عباس (٢)، وأبو مجلز، وابن السميقع، والضحاك، وأبو العالية، وعاصم الجحدري: ﴿ترئنَّ﴾ بهمزة مكسورة من غير ياء، وقرأ أبو عمرو فيما روى عنه ابن رومي: ﴿ترئن﴾ بالإبدال من الياء همزةً وروي عنه: ﴿لترؤن﴾ بالهمزة أيضًا، بدل الواو، قال ابن خالويه: وهو عند أكثر النحويين لحن، وقرأ أبو جعفر، وشيبة: ﴿ترين﴾ بسكون الياء وفتح النون خفيفةً، قال ابن جني: وهي شاذة؛ يعني: لأنه لم يؤثر الجازم فيحذف النون، وقرأ (٣) أبي: ﴿إني نذرت للرحمن صومًا صمتًا﴾ بالجمع بين اللفظين، وكذا روي عن أنس، وروي عنه أنه قرأ: ﴿صومًا وصمتًا﴾ بالواو.

(١) البحر المحيط.
(٢) زاد المسير.
(٣) البحر المحيط.
(٤) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon