وقال لابن خالها يوسف: اخرج في طلبها، فخرج يقص أثرها حتى لقيها تحت النخلة، فلما رجعت إلى قومها - وهم أهل بيت صالحون - وزكريا جالس معهم.. بكوا وحزنوا ثم ﴿قَالُوا﴾ موبخين لها ﴿يَا مَرْيَمُ﴾ والله ﴿لَقَدْ جِئْتِ﴾ وفعلت ﴿شَيْئًا فَرِيًّا﴾؛ أي: منكرًا عظيمًا حين ولدت ولدًا بغير أب؛ أي: إن مريم حين أمرت أن تصوم يومها، ولا تكلم أحدًا من البشر، وأنها ستكفى أمرها، ويقام بحجّتها، سلمت أمرها إلى الله تعالى، واستسلمت لقضائه، فأخذت ولدها وأتت به قومها تحمله، فلما رأوها كذلك.. أعظموا ما رأوا واستنكروا، وقالوا: يا مريم، لقد جئت أمرًا عظيمًا منكرًا،
٢٨ - ثم زادوا تأكيدًا في توبيخها وتعييرها فقالوا:
﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾؛ أي: يا شبيهة هارون في العبادة، وكان هارون هذا رجلًا صالحًا من أفضل الناس من بني إسرائيل، ينسب إليه كل من عرف بالصلاح، وهارون هذا لما مات تبع جنازته أربعون ألفًا كلهم يسمون هارون، تبركًا به وباسمه، والمراد: إنك يا مريم كنت في الزهد كهارون، فكيف صرت هكذا؟ وأخرج أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وغيرهم، عن المغيرة بن شعبة قال: (بعثني رسول الله - ﷺ - إلى أهل نجران فقالوا: أرأيت ما تقرؤون ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ وموسى قبل عيسى بكذا بكذا، فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله - ﷺ - فقال: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم". وهذا التفسير النبوي، يغني عن سائر ما روي عن السلف في ذلك، أو المعنى: يا من أنت نسل هارون أخي موسى، كما يقال للتميمي يا أخا تميم، وللمصري يا أخا مصر.
﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ﴾؛ أي: ما كان أبوك عمران رجلًا زانيًا، والمرء (١) مع ألف الوصل الإنسان أو الرجل، ولا يُجمع من لفظه كما في "القاموس" وسوء بفتح السين، وبإضافة ﴿امْرَأَ﴾ إليه وهي أكثر استعمالًا من الصفة.
﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ﴾ حنة بنت فاقوذ ﴿بَغِيًّا﴾؛ أي: امرأةً زانيةً، فمن أين لك