هذا الولد من غير زوج؟ وهو تقرير لكون ما جاءت به فريًا منكرًا، وتنبيهٌ على أن ارتكاب الفواحش من أولاد الصالحين أفحش
٢٩ - ﴿فَأَشَارَتْ﴾ مريم ﴿إِلَيْهِ﴾؛ أي: إلى عيسى، أن كلموه ليجيبكم، ويكون كلامه حجةً لي، والظاهر أنها حينئذ بينت نذرها، وأنها بمعزل عن محاورة الإنس، قال ابن مسعود: لما لم يكن لها حجة.. أشارت إليه ليكون كلامه حجة لها، وقيل: لما أشارت إليه.. غضب القوم وقالوا: فعلت ما فعلت وتسخرين بنا، ثم ﴿قَالُوا﴾ منكرين لجوابها موبخين لها: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ﴾ ونحدث ﴿مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ﴾؛ أي: في الحجر أو السرير حالة كونه ﴿صَبِيًّا﴾؛ أي: صغيرًا ابن أربعين يومًا، والاستفهام (١) هنا للإنكار والتعجب من إشارتها إلى ذلك المولود بأن يكلمهم، قيل: أراد بالمهد حجرها، وقيل المهد بعينه وهو شيء معروف يتخذ لتنويم الصبي، أو سرير له، ولم نعهد فيما سلف صبيًا رضيعًا في الحجر يكلمه عاقل؛ لأنه لا قدرة له على فهم الخطاب، ورد الجواب، روي أن عيسى كان يرضع، فلما سمع ذلك.. ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه، واتكأ على يساره، وأشار بسبابة يمينه، فتكلم ووصف نفسه بصفاتٍ ثمانيةٍ، أولها عبودية الله وآخرها تأمين الله له في أخوف المقامات:
١ - ٣٠ ﴿قَالَ﴾ هو عيسى: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ الذي له صفات الكمال، لا أعبد غيره، فاعترف له بالعبودية، لئلا يتخذوه إلهًا، وإنما (٢) نص عيسى على إثبات عبودية نفسه؛ لأن إزالة التهمة عن الله تعالى تفيد إزالة التهمة عن الأم؛ لأن الله تعالى لا يخص الفاجرة بولدٍ في هذه الدرجة العالية، أما التكلم بإزالة التهمة عن الأم لا يفيد إزالة التهمة عن الله تعالى، فكان الاشتغال بذلك أولى، قال الجنيد (٣): المعنى: إني عبد الله ولست بعبد سوء، ولا عبد طمع، ولا عبد شهوة، وفيه

(١) الشوكاني.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon