ليكون حافظًا لأبيه، يعوله وهو حي، وذكرًا له بعد الموت، والله تعالى لا يحتاج إلى شيء من ذلك، فالعالم كله خاضع له لا حاجة له إلى ولد ينفعه، وهو حيٌّ أبدًا، ومن كان هذا شأنه، فكيف يتوهم أن يكون له ولد؟ لأن ذلك من أمارات النقص والاحتياج
٣٦ - ﴿وَ﴾ قال عيسى أيضًا ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى هو ﴿رَبِّي﴾ أي مالكي وخالقي ومعبودي ﴿وَرَبُّكُمْ﴾؛ أي: مالككم وخالقكم ومعبودكم، ﴿فَاعْبُدُوهُ﴾ والخطاب فيه لمعاصري رسول الله - ﷺ - من اليهود والنصارى، أمر الله تعالى أن يقول لهم: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾؛ أي: قل لهم يا محمد هذا الكلام، وقيل: الخطاب للذين خاطبهم عيسى بقوله: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ الآية. ذكره في "البحر" وقرأ الجمهور (١)؛ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ بكسر همزة ﴿إِنَّ﴾ عطفًا على قوله: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ أو على الاستئناف، ويؤيده قراءة أبيّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ بالكسر بغير واو، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، ﴿وأن الله﴾ بالواو وفتح الهمزة، وخرج على حذف حرف الجر متعلقًا بما بعده؛ أي: ولأن الله، أو بسبب أنه تعالى ﴿رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ على ما قاله الخليل، وسيبويه، وأجاز الفراء أن يكون في موضع خفض، عطفًا على الصلاة في قوله: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ وبـ ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ﴾.
﴿هَذَا﴾ الذي (٢) ذكرته من التوحيد ونفي الولد والزوجة ﴿صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ إلى الجنة وإلى رضا الله سبحانه وتعالى لا يضل سالكه، وسمي هذا القول صراطًا مستقيمًا تشبيهًا له بالطريق؛ لأنه المؤدي إلى الجنة.
والمعنى: أي (٣) هذا الذي أوصيتكم أن الله أمرني به، هو الطريق المستقيم، فمن سلكه.. نجا، ومن اتبعه.. اهتدى؛ لأنه هو الدين الذي أمر به أنبياءه، من خالفه.. ضل وغوى وسلك سبيل الردى،
٣٧ - ثم أشار إلى أنه مع وضوح الأمر في شأن عيسى، وأنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، اختلفوا فيه كما قال: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ﴾ والجماعة ﴿مِنْ﴾ اليهود

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon