والنصارى في شأن عيسى فيما ﴿بَيْنِهِمْ﴾ فاليهود قالوا: إنه ساحر، وقالوا: إنه ابن يوسف النجار، والنصارى اختلفت فرقهم فيه، فقالت النسطورية منهم - نسبة إلى عالم يسمى نسطور -: هو ابن الله، أظهره ما شاء، ثم رفعه إليه، وقالت الملكانية - نسبة إلى الملك قسطنطين وكان فيلسوفًا عالمًا -: إنه عبد الله كسائر خلقه، وهذا الرأي هو الذي نصره الملك، ونصره غيره من شيعته، وقالت اليعقوبية - نسبة إلى عالم منهم يسمى يعقوب -: هو الله هبط إلى الأرض، ثم صعد إلى السماء، فأفرطت النصارى وغلت، وفرّطت اليهود وقصّرت.
ومن في قوله: ﴿مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ (١): زائدة؛ أي: فاختلف الأحزاب بينهم أو حال (٢) من الأحزاب، والمعنى: حال كون الأحزاب بعضهم؛ أي: بعض النصارى، إذ بقيت منهم فرقة مؤمنةٌ يقولون: إنه عبد الله ورسوله، وقيل: البين هنا بمعنى البعد، ومن بمعنى اللام؛ أي: اختلفوا فيه لبعدهم عن الحق، ذكره في "البحر"، ﴿فَوَيْلٌ﴾؛ أي: فشدة عذاب ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ واختلفوا في شأن عيسى - عليه السلام - من اليهود والنصارى، والويل: الهلاك وهو نكرة وقعت مبتدأً وخبره ما بعده، وسوّغ الابتداء بالنكرة قصد الدعاء، ونظيره سلام عليك، فإن أصله: منصوب نائب مناب فعله لكنه عدل به إلى الرفع على الابتداء للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه ﴿مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾؛ أي: من شهود وحضور يوم عظيم، هو له، وما يجري فيه من الحساب والجزاء، وهو يوم القيامة، أو من مكان الشهود فيه للحساب، وهول الموقف أو من وقت حضوره، أو من (٣) شهادة ذلك اليوم عليهم، وهو شهادة الملائكة والأنبياء، وشهادة ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالكفر، وسوء الأعمال، وقيل: فويل لهم من حضورهم المشهد العظيم الذي اجتمعوا فيه للتشاور.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراح.
(٤) الخازن.