محالة، ليجزي المحسن بإحسانه، والمسيء بما دسى به نفسه جزاءً وفاقًا.. قفى على ذلك بذكر البرهانات التي آتاها موسى دلالةً على نبوته، وتصديقًا له على رسالته، فبدأ بذكر العصا التي انقلبت حيةً تسعى حين ألقاها من يده، وكان قد سأله عنها استجماعًا لقلبه، وتهدئةً لروعه في هذا المقام الرهيب، وإعلامًا بما سيكون لها بعد من عظيم الشأن، وجليل المنافع والمزايا، التي لم تكن تدور بخلده عليه السلام.
قوله تعالى: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (١): أن الله سبحانه لما ذكر المعجزة الأولى، الدالة على نبوة موسى عليه السلام وعلى صدق رسالته، وهي العصا وما صدر منها من الأفاعيل حين ألقاها من يده، ثم عودتها سيرتها الأولى حين أخذها من الأرض.. قفى على ذلك بذكر المعجزة الثانية التي آتاه إياها، وهي معجزة اليد، فإنه كان إذا وضع يده اليمنى إلى جنبه الأيسر تحت العضد، ثم أخرجها.. أضاءت كشعاع الشمس، تغشي البصر، ثم بذكر أمره له بالذهاب إلى فرعون لتبليغ رسالة ربه، ثم دعائه ربه أن يشرح له صدره، ويسهل له أمره، وأن يجعل له أخاه هارون نبيًا، كى يشد أزره، ويقوى على تبليغ الرسالة ويتعاونا على ذكر الله وعبادته.
قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما أمر (٢) موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون.. عرف أنه كلف أمرًا عظيمًا يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط، وصدر فسيح، فسأل ربه، ورغب في أن يشرح صدره، ليحتمل ما يرد عليه من الشدائد التي يضيق لها الصدر، وأن يسهل عليه أمره الذي هو خلافة الله في أرضه، وما يصحبها من مزاولة جلائل الخطوب، وقد علم ما عليه فرعون من الجبروت والتمرد والتسلط.
قوله تعالى: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon