﴿مِمَّنْ خَلَقَ﴾ تعظيم وتفخيم لشأن القرآن، إذ هو منسوب تنزيله إلى من هذه أفعاله وصفاته، وتحقير لمعبوداتهم، وتعريض للنفوس على الفكر والنظر، وكأن في قوله: ﴿مِمَّنْ خَلَقَ﴾ التفاتًا، إذ فيها الخروج من ضمير التكلم، وهو في ما أنزلناه إلى الغيبة، وفيه عادة التفنن في الكلام، وهو مما يحسن الكلام، إذ لا يبقى على نظام واحد، وجريان هذه الصفات على لفظ الغيبة والتفخيم، بإسناد الإنزال إلى ضمير الواحد المعظم نفسه، ثم إسناده إلى من اختص بصفات العظمة التي لم يشركه فيها أحد، فحصل التعظيم من الوجهين، ذكره أبو حيان في "البحر".
٥ - وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)﴾ رفع (١) على المدح على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو سبحانه الرحمن الذي على عرشه استوى وارتفع وعلا، استواءً يليق به، نعتقده ونثبته، ولا نمثله ولا نكيفه ولا نعطله، وقد تقدم هذا في سورة الأعراف ببسط وإطناب، أو مبتدأ، واللام فيه للعهد مشاراً به إلى ﴿من خلق﴾ خبره ما بعده.
وروى جناح بن حبيش عن بعضهم: أنه قرأ: ﴿الرحمن﴾ بالكسر، والأحسن أن يكون ﴿الرحمن﴾ حينئذ بدلًا من ﴿من﴾ الموصولة في قوله: ﴿مِمَّنْ خَلَقَ﴾ وعلى قراءة الجر يكون التقدير: هو على العرش استوى
٦ - ﴿لَهُ﴾ سبحانه وتعالى لا لغيره ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ سواء كان ما فيهما جزءًا منهما، أو حالًا فيهما ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾؛ أي: ما بين السموات والأرض من الموجودات الكائنة في الجو دائمًا، كالهواء والسحاب، أو أكثريًا كالطير؛ أي: له جميع ذلك ملكًا وخلقًا وتدبيرًا وتصرفاً ﴿و﴾ له ﴿مَا تَحْتَ الثَّرَى﴾؛ أي: وله ما واراه التراب، وأخفاه من المعادن وغيرها، والثرى في اللغة: التراب الندي، قال الواحدي: والمفسرون يقولون: إنه سبحانه أراد الثرى الذي تحت الصخرة التي عليها الثور الذي تحت الأرض، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله سبحانه.
والمعنى عليه: وله سبحانه (٢) الذي تحت الأرض السابعة السفلى؛ لأن

(١) روح البيان.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon