عمران عليه السلام؛ أي: وهل بلغك كيف كان ابتداء الوحي إلى موسى، وتكليم الله سبحانه إياه، والاستفهام (١) فيه للتقرير، ومعناه: أليس قد أتاك حديث موسى، وقيل معناه: قد أتاك حديث موسى، وقال الكلبي: لم يكن قد أتاه حديث موسى إذ ذاك.
ومن سنن العربية (٢): أنه إذا أريد تثبيت الخبر، وتقرير الجواب في نفس المخاطب، أن يلقى إليه بطريق الاستفهام، فيقول المرء لصاحبه: هل بلغك كذا وكذا، فيتطلع السامع إلى معرفة الخبر، ويُصغي إليه أتم الإصغاء.
وفي سياق هذه القصة تسلية للنبي - ﷺ - لما يلاقيه من مشاق أحكام النبوة، وتحمل أثقالها، ومقاساة خطوبها، وأن ذلك شأن الأنبياء قبله، والمراد بالحديث: القصة الواقعة لموسى، رُوي أن موسى - عليه السلام - استأذن شعيباً في الرجوع إلى والدته، فأذن له بعد أن قضى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم، فخرج وسار قاصدًا مصر بعد أن طالت غيبته عنها، فقد زادت على عشر سنين، ومعه زوجه فوُلد له ابنٌ في الطريق في ليلة شاتية، ذات ثلج وبردٍ وسحابٍ وضبابٍ وظلامٍ، وكانت ليلة جمعة، ونزل منزلًا بين شعاب وجبال، وجعل يقدس بزندٍ كان معه ليوري نارًا، فلم تور المقدحة شيئًا، وبينا هو يزاول ذلك ويعالجه
١٠ - ﴿إِذْ رَأَى نَارًا﴾ من بُعدٍ عن يسار الطريق ﴿فَقَالَ﴾ موسى ﴿لِأَهْلِهِ﴾؛ أي: لامرأته وولدها وخادمها، فإن الأهل يفسر بالأزواج والأولاد والعبيد والإماء والأقارب وبالأصحاب وبالمجموع، كما في "شرح المشارق" لابن ملك. مبشرًا لهم ﴿امْكُثُوا﴾؛ أي: أقيموا مكانكم ولا تتبعونى ﴿إِنِّي آنَسْتُ﴾ وأبصرت ﴿نَارًا﴾ وسأذهب إليها ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ﴾؛ أي: لعلي أجيئكم منها بشعلة مقتبسة على رأس عود أو نحوه ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى﴾ تلك ﴿النَّارِ هُدًى﴾؛ أي: هاديًا يدلني على الطريق؛ لأن النار قلَّما تخلو من أهل لها، وناس عندها، على أنه مصدر سمي به الفاعل مبالغةً، أو حُذف منه المضاف؛ أي: ذا هداية وكلمة،
(٢) المراغي.