أو لمنع الخلو دون منع الجمع، ومعنى الاستيلاء في على: أن أهل النار يكتنفونها عند الاصطلاء قيامًا وقعودًا، فيشرفون عليها.
وجاء في سورة القصص ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾.
وقصارى ذلك (١): أنه قال لأهله: أقيموا مكانكم، وإني قد رأيت نارًا، فإما أن آتيكم منها بقبس تشعلون منه نارًا تصطلون بها، وإما أن أجد دليلًا يرشدني إلى الطريق المسلوك، وكان قد ضل عنه.
ومعنى أمكثوا: أقيموا مكانكم، وعبَّر بالمكث دون الإقامة؛ لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك، وقرأ (٢) الأعمش وطلحة وحمزة ونافع في رواية: ﴿لأهله امكثوا﴾ بضم الهاء وكذا في القصص، وقرأ الجمهور بكسرها قوله: ﴿بِقَبَسٍ﴾؛ أي: بشعلة نار؛ أي: بشيء فيه لهب مقتبس من معظم النار، وهى المرادة بالجذوة في سورة القصص، وبالشهاب القبس في سورة "النمل"، يقال: قبست منه نارًا في رأس عود، أو فتيلة أو غيرهما.
ولم يقطع موسى بأن يقول إني آتيكم، لئلا يعد ما لم يتيقن الوفاء به، انظر كيف احترز موسى عن شائبة الكذب قبل نبوته، فإنه حينئذٍ لم يكن مبعوثاً، قال أكثر المفسرين: إن الذي رآه موسى لم يكن نارًا، بل كان نور الرب سبحانه، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارًا، وقال الإِمام: الصحيح أنه رأى نارًا ليكون صادقًا في خبره، إذ الكذب لا يجوز على الأنبياء. انتهى.
١١ - ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا﴾؛ أي: فلما أتى موسى النار التي آنسها.. ﴿نُودِيَ﴾ موسى من الشجرة، كما هو مصرّح بذلك في سورة القصص؛ أي: من جهتها وناحيتها؛ أي: فلما انتهى إلى النار التي آنسها.. رأى شجرة خضراء من أعلاها إلى أسفلها، أحاطت بها نار بيضاء، تتقد كأضواء ما يكون، ولم ير هناك أحدًا، فوقف متعجبًا من شدة ضوء تلك النار، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا النار تغير

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon