خضرتها، ولا كثرة ماء الشجرة تغير ضوء النار، قيل: كانت الشجرة سمرةً خضراء، وقيل: عوسجةً، وقيل: عليقًا، وقيل: شجرة العناب وهي شجرة لا نار فيها، بخلاف غيرها من الأشجار، قالوا (١): النار أربعة أصناف: صنف يأكل ولا يشرب، وهي نار الدنيا، وصنف يشرب ولا يأكل وهي نار الشجر الأخضر، وصنف يأكل ويشرب وهي نار جهنم، وصنف لا يأكل ولا يشرب وهي نار موسى، وقالوا أيضًا: هي أربعة أنواع: نوع له إحراق بلا نور، وهي نار الجحيم، ونوع له نور بلا إحراق، وهي نار موسى، ونوع له إحراق ونور، وهي نار الدنيا، ونوع ليس له إحراق ولا نور، وهي نار الأشجار، قيل: إن موسى أخذ شيئًا من الحشيش اليابس وقصد الشجرة، فكان كلما دنا.. نأت عنه، وإذا نأى.. دنت منه، فوقف متحيراً، فسمع تسبيح الملائكة، ورأى نورًا عظيمًا تكل عنه الأبصار، فوضع يديه على عينيه وخاف وبهت، فألقيت عليه السكينة والطمأنينة، فعند ذلك نودي، فقيل: ﴿يَا مُوسَى﴾ فأجاب سريعاً فقال: لبيك، من المتكلم إني أسمع صوتك ولا أرى شخصك، فأين أنت؟
١٢ - فقال تعالى: ﴿إِنِّي أَنَا﴾ للتوكيد والتحقيق ﴿رَبُّكَ﴾ ومالك أمرك يا موسى، وأنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك، وأقرب إليك منك، فعلم أن ذلك لا ينبغي ولا يكون إلا من الله تعالى، فأيقن به وسمع الكلام بكل أجزائه، حتى إن كل جارحة منه كانت أذنًا، وسمعه من جميع الجهات.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿إِنِّي﴾ بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين، وعلى معاملة النداء معاملة القول، لا أنه ضربٌ منه على مذهب الكوفيين، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وأبو جعفر وابن محيصن وحميد واليزيدي: ﴿أني﴾ بفتح الهمزة، والظاهر أن التقدير: بأني أنا ربك، وقال ابن عطية: لأجل أني أنا ربك، فاخلع نعليك، وأنا مبتدأ أو فصل أو توكيد لضمير النصب، وفي هذه الأعاريب حصل التركيب لتحقيق المعرفة، وإماطة الشبهة.

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon