ثم أمره أن يخلع نعليه احتراماً للبقعة المقدسة فقال: ﴿فَاخْلَعْ﴾ وانزع ﴿نَعْلَيْكَ﴾ يا موسى عن قدميك؛ لأن الحفوة أقرب إلى التواضع، وحسن الأدب معه تعالى، وإلى التشريف والتكريم لتلك المقدسة، وقيل: إنهما كانا من جلد حمار غير مدبوغ.
وفي "الترمذي"، عن النبي - ﷺ - قال: "كان على موسى يومَ كلَّمه ربه كساء صوف، وجبة صوف، وكمة صوف، وسراويل صوف، وكانت نعلاه من جلد حمار ميت" قال: هذا حديث غريب. والكمة: القلنسوة الصغيرة، وكونهما من جلد حمار ميت غير مدبوغ قول عكرمة وقتادة والسدي ومقاتل والكلبي والضحاك، وقيل: كانتا من جلد بقرة ذكي، لكن أمر بخلعهما لبيان بركة الوادي المقدس، حتى وتمس قدماه تربته، ومن ثم طاف السلف الصالح بالكعبة حافين، وروي: أنه خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي.
ثم بين سبب الأمر بذلك بقوله: ﴿إِنَّكَ﴾ يا موسى ﴿بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾؛ أي (١): المطهر والمستبعد من السوء ﴿طُوًى﴾: اسم الوادي، بدل أو عطف بيان منه، أي: لأنك بالوادي المطهر المسمى بطوى، فاخلعهما ليحصل للقدمين بركته، والمقدس: المطهر، والقدس: الطهارة، والأرض المقدسة: المطهرة، سميت بذلك لأن الله أخرج منها الكافرين، وعمرها بالمؤمنين.
وقرأ الحسن (٢) والأعمش وأبو حيوة وابن أبي إسحاق وأبو السُّمال وابن محيصن: بكسر الطاء منونًا، وقرأ الكوفيون وابن عامر: بضمها منونًا، وقرأ الحرميان نافع وابن كثير وأبو عمرو: بضمها غير منون، وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو: بكسرها غير منون، وقرأ عيسى بن عمرو والضحاك ﴿طاوى﴾ فمن نوَّن فعلى تأويل المكان، ومن لم ينون وضم الطاء، فيحتمل أن يكون معدولًا عن فعل، نحو زفر وقثم، أو أعجميًا أو على معنى البقعة، ومن كسر ولم ينون فمنع

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon