الصرف باعتبار البقعة.
١٣ - ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ واصطفيتك من قومك للنبوة والرسالة ﴿فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى﴾، أي: للذي يوحى إليك منى من الأمر والنهي، واللام: متعلقة بالسمع، مزيدة في المفعول كما في ردف لكم، والفاء: لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وقرأ (١) الجمهور، أبو عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي وأهل مكة وأهل المدينة: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُك﴾ بالإفراد، وقرأ حمزة وطلحة والأعمش وابن أبي ليلى وخلف في اختياره: ﴿وأنا اخترناك﴾ بفتح الهمزة وشد النون ﴿اخترناك﴾ بنون العظمة، وقرأ السلمي وابن هرمز والأعمش في رواية: ﴿وإنا﴾ بكسر الهمزة ﴿اخترناك﴾ بنون العظمة عطفًا على ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ لأنهم كسروا ذلك أيضًا، وقرأ أُبيُّ ﴿وأني﴾ بفتح الهمزة وياء المتكلم ﴿اخْتَرْتُكَ﴾ بالتاء عطفًا على ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾.
وقصارى ذلك (٢): لقد جاءك أمر عظيم، فتأهب له، واجعل كل خاطرك إليه، وقد قالوا: إن من أدب الاستماع سكون الجوارح والأعضاء، وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور القلب، والعزم،
١٤ - وقد بيَّن سبحانه أهم ما يوحى إليه بقوله: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ﴾ وهو بدل من ﴿ما﴾ في ﴿لِمَا يُوحَى﴾ دال على تقدم علم الأصول على علم الفروع، فإن التوحيد من مسائل الأصول، والعبادة الآتية من الفروع ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾؛ أي: إن أول الواجب على المكلف أن يعلم أنه لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ثم أمره سبحانه بالعبادة فقال: ﴿فَاعْبُدْنِي﴾ و (الفاء): فيه أيضًا لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ لأن اختصاص الإلهية به سبحانه موجب لتخصيصه بالعبادة؛ أي: فخصني بالعبادة والتوحيد، ولا تشرك بعبادتي أحدا؛ أي: وإذ كنت أنا الإله حقًا، ولا معبود سواي، فخصني بالعبادة والتذلل والانقياد في جميع ما كلفتك به ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ من عطف الخاص على العام؛ أي: وأد الصلاة على الوجه الذي أمرتك به، مقومة الأركان، مستوفاة الشروط ﴿لِذِكْرِي﴾؛ أي: لتذكرني فيها، وتدعوني دعاءً خالصًا، لا يشوبه
(٢) المراغي.