تخاطبهم، إذا أراد أحدهم أن يظهر من الشيء الحقير شيئًا شريفًا، أن يأخذه ويعرضه على النظارة، ويقول لهم: ما هذا؟ فيقولون: هو كذا، فيفيض في شرح ماله من فائق المزايا، وجليل المنافع التي لم تكن تدور بخلدهم، ولم تخطر ببالهم.
١٨ - فأجابه موسى معددًا ما لها من فوائد ومزايا، بحسب ما وصلت إليه معرفة البشر فـ ﴿قَالَ﴾ موسى ﴿هِيَ﴾؛ أي: هذه الخشبة التي بيميني هي ﴿عَصَايَ﴾ يا إلهي، نسبها إلى نفسه تحقيقًا لوجه كونها بيمينه، وتمهيداً لما يعقبه من الأفاعيل المنسوبة إليه عليه السلام وكانت هذه العصا لآدم، ورثها شعيب من آدم، وأمر شعيب ابنته بعدما زوجها له أن تعطى لموسى، يدفع بها السباع عن غنمه، وكان عصا الأنبياء عنده، فوقع في يدها عصا آدم من آس الجنة، فأخذها موسى بعلم شعيبٍ.
وقرأ ابن أبي إسحاق والجحدري (١): ﴿عصيَّ﴾ بقلب الألف ياءً وإدغامها في ياء المتكلم، وقرأ الحسن ﴿عصاي﴾ بكسر الياء، وهي مروية عن ابن أبي إسحاق أيضًا، وأبي عمرو معًا وهذه الكسرة لالتقاء الساكنين، وعن أبي إسحاق، والجحدري ﴿عصاي﴾ بسكون الياء.
وبقوله: ﴿هِيَ عَصَايَ﴾ تم (٢) الجواب، ولكن ذكر موسى ما لها من فوائد، إذ أحب مكالمة ربه، فجعل ذلك كالوسيلة لهذا الغرض، فبين لها فائدتين على سبيل التفصيل، وواحدةً على سبيل الإجمال فقال:
١ - ﴿أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾؛ أي: أعتمد عليها إذا مشيت، أو تعبت، أو وقفت على رأس القطيع من الغنم في المرعى.
٢ - ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾؛ أي: وأخبط ورق الشجر بها ليسقط على غنمي، فتأكله، وقرأت فرقة: ﴿غنمي﴾ بسكون النون وفرقة: ﴿على غنمي﴾ بإيقاع الفعل على الغنم، وقرأ الجمهور (٣): ﴿وَأَهُشُّ﴾ بضم الهاء والشين

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغى.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon