أي: أدخل وضم ﴿يَدَكَ﴾ اليمنى ﴿إِلَى جَنَاحِكَ﴾؛ أي: إلى جنبك الأيسر، تحت العضد؛ أي: أدخل كفك اليمنى في إبطك الأيسر، وأخرجها ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾؛ أي: مشرقةً مثل البرق، أو مشرقة تضيء كشعاع الشمس، تغطي البصر عن الإدراك، فهو حال من فاعل ﴿تَخْرُجْ﴾ ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ حال من الضمير في ﴿بَيْضَاءَ﴾؛ أي: كائنةً من غير عيب وقبح، كنى به عن البرص، كما كنى بالسوءة عن العورة، لما أن الطباع تعافه وتنفر عنه، روي أن موسى - عليه السلام - كان أسمر اللون، فإذا أدخل يده اليمنى تحت إبطه الأيسر وأخرجها.. كان عليها شعاع كشعاع الشمس، يغشي البصر، ويسد الأفق، ثم إذا ردها إلى جنبه.. صارت إلى لونها الأول، بلا نور وبريقٍ، حالة كون تلك اليد البيضاء ﴿آيَةً أُخْرَى﴾؛ أي: معجزةً أخرى غير العصا، وانتصابها على الحالية من الضمير في بيضاء،
٢٣ - وقوله: ﴿لِنُرِيَكَ﴾ متعلق بمحذوف تقديره؛ أي: فعلنا ما فعلنا من قلب العصا حيةً، وجعل اليد بيضاء، لنريك بهاتين الآيتين ﴿مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾؛ أي: بعض آياتنا العظمى، فكل من العصا واليد، من الآيات الكبرى، والدلائل العظام، وهي تسع كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ وقد سبق بيانها، ومن المعلوم: أن الكبرى اسم تفضيل؛ أي: التي هي أكبر من غيرها، حتى من العصا، وذلك لأن المراد الكبرى في الإعجاز، واليد كذلك فإنها أكبر آيات موسى، كما نقله الخازن عن ابن عباس؛ لأنها لم تعارض أصلًا، وأما العصا فقد عارضها السحرة كما سيأتي.
٢٤ - ثم صرح سبحانه بالغرض المقصود من هذه المعجزات فقال: ﴿اذْهَبْ﴾ يا موسى ﴿إِلَى فِرْعَوْن﴾ بما رأيته من الآيتين العظيمتين، وادعه إلى عبادتي، وحذره من نقمتي، وخصه بالذكر؛ لأن قومه تبع له، ثم علل ذلك بقوله: ﴿إِنَّهُ طَغَى﴾ أي: عصى، وتكبر، وكفر، وتجبر، وجاوز الحد، حتى تجاسر على دعوى الربوبية، وقال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾.
قال وهب بن منبه (١): قال الله لموسى: (اسمع كلامي، واحفظ وصيتي،