منامها ما يُرى، لما ولدتك وخافت أن يقتلك فرعون
٣٩ - ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ﴾ ﴿أَنِ﴾ مفسرةً بمعنى: أي؛ لأن الوحي من باب القول، ومعنى القذف هنا: الوضع، وفي قوله: ﴿فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ بمعنى الإلقاء، وليس المراد: القذف بلا تابوتٍ، واليم نيل مصر في قول جميع المفسرين؛ أي: ولقد مننا عليك حين قلنا لها ضعي الصبي المولود في الصندوق، فألقى الصندوق في بحر النيل ﴿فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ﴾؛ أي: فليطرح البحر الصندوق ﴿بِالسَّاحِلِ﴾؛ أي: بطرقه، ولما (١) كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرًا واجب الوقوع، لتعلق الإرادة الربانية به.. جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع، أمر بذلك، والساحل (٢): هو شط البحر، سمي ساحلًا لأن الماء سحله، قاله ابن دريد، والمراد هنا: ما يلي الساحل من البحر، لا نفس الساحل، قيل: والأولى في هذه الضمائر كلها عودها لموسى، لا للتابوت، وإن كان قد ألقي معه، لكن المقصود هو موسى، مع كون الضمائر قبل هذا وبعده له.
والمعنى (٣): ولقد مننا عليك يا موسى مرة أخرى قبل هذا، حين ألهمنا أمك، وأوقعنا في قلبها عزيمةً صادقةً، أن أمثل الطرق لخلاصك من فرعون وجبروته، أن تضعك في تابوت "صندوقٍ"، ثم تطرح هذا التابوت في نهر النيل، ففعلت، فألقاك النهر في الساحل، فأخذك فرعون - عدو الله - ورباك في بيته، وسيصير عدوًا لك بعد ذلك، كما هو عدو لى، روي: أنها جعلت في التابوت قطنًا محلوبًا، ووضعته فيه، وطلت ظاهره بالجص والقار، ثم ألقته في اليم، وكان يشرع منه - يتفرع - نهر كبير إلى بستان فرعون، فبينا هو جالس إلى رأس بركةٍ مع زوجته آسية، إذ بتابوت يجري به الماء، فأمر فرعون غلمانه وجواريه بإخراجه، ففعلوا وفتحوا رأسه، فإذا صبي من أصبح الناس وجهًا، فأحبه فرعون حبًا شديدًا، لم يتمالك أن يصبر عنه، وجملة قوله: ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ﴾: جواب الأمر بالإلقاء، وتكرير (٤) ﴿عَدُوٌّ﴾ للمبالغة وهو فرعون، فالأول: باعتبار الواقع لكفره وعتوه، والثاني: باعتبار ما يؤول إليه، وما لو ظهر لفرعون حال

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon