لـ ﴿ألقيت﴾ أو لـ ﴿تصنع﴾؛ أي: وألقيت عليك محبةً منى، حين تمشي أختك تتبعك متعرفةً، حتى وجدتك وصادفتهم يطلبون لك مرضعاً تقبل ثديها، حتى اضطروا إلى تتبع النساء ﴿فَتَقُولُ﴾ لفرعون وآسية؛ أي: فلما رأت منهم ذلك.. جاءت إليهم متنكرةً وقالت: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ وصيغة (١) المضارع في الفعلين لحكاية الحال الماضية، كما سيأتي في مبحث البلاغة، أي: قالت ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ﴾؛ أي: يضمه إلى نفسه ويرضعه ويربيه، و (الفاء) في قوله: ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: فقالوا دلينا عليه، فجاءت بأمك، فقبلت ثديها، فرجعناك إليها؛ أي: رددناك إليها بما لطف الله لك من التدبير ﴿كَيْ تَقَرَّ﴾ وتبرد ﴿عَيْنُهَا﴾ فتطيب نفسها بلقائك ورؤيتك ووصولك إليها ﴿وَلَا تَحْزَنَ﴾ بوصول لبن غيرها إلى باطنك، وفي "الإرشاد" أي لا يطرأ عليها الحزن بفراقك بعد ذلك، وإلا فزوال الحزن مقدم على السرور المعبر عنه بقرة العين، فإن التخلية متقدمة على التحلية. انتهى. أو المعنى: كي لا تحزن أنت بفراقك، وكانت أمه قد أرضعته ثلاثة أشهر أو أربعة قبل إلقائه في اليم.
وحاصل قصة رضاعه (٢): أن آسية عرضته للرضاع، فلم يقبل امرأةً، فجعلت تنادي عليه في المدينة، ويطاف به ويعرض للمراضع فيأبى، وبقيت أمه بعد قذفه في اليم مغمومةً، فأمرت أخته بالتفتيش في المدينة، لعلها تقع على خبره، فبصرت به في طوافها، فقالت: أنا أدلكم على من يكفله لكم، وهم له ناصحون، فتعلقوا بها وقالوا: أنت تعرفين هذا الصبي؟ فقالت: لا، ولكن أعلم من أهل هذا البيت الحرص على التقرب إلى الملكة، والجد في خدمتها ورضاها، فتركوها وسألوها الدلالة، فجاءت بأم موسى، فلما قربته.. شرب ثديها، فسرت آسية وقالت لها: كوني معي في القصر، فقالت: ما كنت لأدع بيتي وولدي، ولكنه يكون عندي، قالت: نعم، فأحسنت إلى أهل ذلك البيت غاية "الإحسان" واعتز بنو إسرائيل بهذا الرضاع والنسب من الملكة، ولما كمل رضاعه.. أرسلت آسية إليها أن جيئيني بولدي ليوم كذا، وأمرت خدمها ومن لها
(٢) البحر المحيط.