فوصلت إليهم، فلبثت فيهم سنين، و (الفاء): في ﴿فَلَبِثْتَ﴾ تدل على أن المراد بالفتن المذكورة هى ما كان قبل لبثه في أهل مدين، ومدين: كانت على ثماني مراحل من مصر ﴿ثُمَّ﴾ بعدما لبثت عشر سنين في أهل مدين، توجهت إلى مصر لزيارة أمك وأخيك و ﴿جِئْتَ﴾؛ أي: وصلت في مسيرك هذا إلى المكان الذي ناجيتك فيه، وكلمتك واستنبأتك فيه، وهو الوادي المقدس ﴿عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾؛ أي: في وقتٍ معين قدرته لمناجاتك، لم تتقدمه ولم تتأخر عنه، أو على مقدار من السن يوحى فيه إلى الأنبياء، وهو رأس أربعين سنة، قال الشاعر:
نال الخلافة إذ جاءت على قدرٍ | كما أتى ربَّه موسى على قدرِ |
والمعنى: أي جئت لميقات قدرته لمجيئك قبل خلقك، وكان على رأس أريعين سنة، وهو الوقت الذي يوحى فيه إلى الأنبياء، هذا قول الأكثرين، وقال الفراء؛ أي: على ما أراد الله به من تكليمه.
٨ - ٤١ ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ﴾؛ أي: اخترتك من بين الناس ﴿لِنَفْسِي﴾؛ أي: لأداء أوامري، وإقامة حججي، وتبليغ رسالتي، فحركاتك وسكناتك لي، لا لنفسك، ولا لأحد غيرك، والاصطناع: افتعال من الصنع بالضم، وهو مصدر قولك: صنع إليه معروفًا، واصطناع فلان: اتخاذه صنيعًا محسنًا إليه، بتقريبه وتخصيصه بالتكريم والإجلال؛ أي: اصطفيتك واختصصتك باصطناعى وإحساني إليك بالمعروف.
وخلاصة ذلك (٢): أني جعلتك من خواصي، واصطفيتك برسالاتي وبكلامي، فصرت بما آتيتك من كرامة النبوة، وجليل النعمة بالمكالمة أشبه بمن يراه الملك أهلًا لكرامته، فيقربه إليه، ويجعله من خواصه وندمائه، ويصطنعه بالإحسان إليه في الحين بعد الحين، والفينة بعد الفينة.
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.