وعصيهم، خاف موسى عاقبة أمره، فأوحى إليه ربه: ﴿لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ﴾ فسيكون لك الفلج والظفر عليهم، وقد تحقق ما وعد الله به، وكتب له النصر، وآمن به السحرة، فلجأ فرعون إلى العناد والاستكبار.
التفسير وأوجه القراءة
٤٢ - ﴿اذْهَبْ أَنْتَ﴾ يا موسى، وهذا كلام (١) مستأنف مسوق لبيان ما هو المقصود من الإصطناع ﴿و﴾ ليذهب ﴿أَخُوكَ﴾ هارون حسبما (٢) استدعيت، عطف عليه لأنه كان غائبًا عن موسى وقتئذٍ، والذهاب: المضي، يقال: ذهب بالشيء وأذهبه، ويستعمل ذلك في الأعيان والمعاني، قال تعالى: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾ وقال: ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ﴾.
والأخوة: المشاركة في الولادة من الطرفين أو من أحدهما، أو من الرضاع، ويُستعار الأخ لكل مشارك لغيره في القبلة، أو في الدين، أو في صنعة، أو في معاملة، أو في مودة، أو في غير ذلك من المناسبات؛ أي: اذهب أنت وأخوك إلى فرعون وقومه وبني إسرائيل، حالة كونكما متلبسين ﴿بِآيَاتِي﴾؛ أي: بمعجزاتي (٣)، متمسكين بها في إجراء أحكام الرسالة، وإكمال أمر الدعوة، لا مجرد إذهابهما وإيصالهما إليه، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: يريد الآيات التسع التي أنزلت إليه، وإن كان وقوع بعضها بالفعل مترقبًا بعده، ويحتمل أن يكون الجمع للتعظيم، والمراد: العصا واليد، ففي كل منهما آيات شتى، فانقلاب العصا حيوانًا آية، وكونها ثعبانًا عظيمًا آية أخرى، وسرعة حركته مع عظم جرمه آية أخرى، ثم أخرى، ثم إنه - عليه السلام - يدخل يده في فيه فلا يضره آية أخرى، ثم انقلابه عصا آية أخرى، وكذلك اليد فإن بياضها آية، وشعاعها آية أخرى، ثم رجوعها إلى حالتها الأولى آية أخرى، أو لأن أقل الجمع عند الخليل إثنان، يعني: أن إطلاق الآيات على الآيتين وارد على الأدنى

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon