﴿وَلَا تَنِيَا﴾؛ أي: لا تضعفا، ولا تفترا، ولا تقصرا ﴿فِي ذِكْرِي﴾؛ أي: في مداومة ذكري لسانًا وجَناناً، فإنه آلة لتحصيل كل المقاصد، فإن أمرًا من الأمور لا يتمشى لأحدٍ إلا بذكري، فالفتور في الأمور بسبب الفتور في ذكر الله، وهو تذكير بقوله: ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤)﴾.
قال بعضهم: الحكمة في هذا التكليف: أن من ذكر جلال الله تعالى وعظمته.. استخف غيره، فلا يخاف أحدًا غيره، فتقوى روحه بذلك الذكر، فلا يضعف في مقصوده. أو المعنى: فلا تنيا ولا تضعفا عن تبليغ رسالتي، فإن الذكر يطلق على كل عبادة، والتبليغ من أعظم العبادات.
والمعنى: أي (١) اذهب أنت وأخوك إلى فرعون وقومه وبني إسرائيل، وإني ممدكما بحججي وبرهاناتي الدالة على صدق نبوتكما، ومظهر على أيديكما من الآيات ما تزاح العلل والمعاذير به، ولا تفترا في دعوتهم، وتبليغ الرسالة إليهم، فبينا لهم أن الله أرسلكما إليهم، مبشرين بثوابه، ومنذربن بعقابه.
وقرأ ابن وثاب (٢): ﴿ولا تنيا﴾: بكسر التاء اتباعًا لحركة النون، وفي مصحف عبد الله ﴿ولا تهنا﴾؛ أي: ولا تلنا، في قولهم: هين لين
٤٣ - ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ هذا أمر وخطاب لهما جميعًا بالذهاب، موسى حاضر وهارون غائب، إما بطريق التغليب لموسى لأنه الأصل في أداء الرسالة، أو بعد ملاقاة أحدهما الآخر، وتكرير الأمر بالذهاب (٣): لترتيب ما بعده عليه، وفرعون: اسم أعجمي، لقب الوليد بن مصعب صاحب موسى، وقد اعتبر غوايته، فقيل: تفرعن فلان، إذا تعاطى فعل فرعون، وتخلق بخلقه، كما يقال: أبلس وتَبَلَّس، ومنه قيل للطغاة الفراعنة والأبالسة، وعلل الأمر بالذهاب بقوله: ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إن فرعون ﴿طَغَى﴾؛ أي: تجاوز حد العبودية بدعوى الربوبية؛ أي: جاوز الحد في الكفر والتمرد.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.