لأنه من حيث كونه أمرًا طبيعيًا لا مدخل للاختيار فيه، لا يدخل تحت التكليف ثبوتًا وانتفاءً، بل المراد به التسلي بوعد الحفظ والنصرة، كما يدل عليه قوله: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا﴾ بكمال الحفظ والنصرة، فإن الله تعالى منزه عن المعية المكانية ﴿أَسْمَعُ وَأَرَى﴾؛ أي: ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل، فأفعل في كل حال ما يليق بها، من دفع ضرر وشر، وجلب نفع وخير، فمن كان الله معه.. يحفظه من كل جبار عنيد؛ أي (١): إنني معينكما وعالم بما يليق من حالكما معه، أسمع كلامه معكما، فأسخره للاستماع منكما، وأرى أفعاله، فلا أتركه يفعل بكما ما تكرهانه.
والخلاصة: لست بغافل عنكما، واني سأفعل ما يؤدي إلى حفظكما، ونصركما عليه، فلا تهتما بأمره،
٤٧ - ﴿فَأْتِيَاهُ﴾؛ أي: فقابلا فرعون ﴿فَقُولَا﴾ له ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ﴾ قد أرسلنا إليك، فالإتيان هنا: عبارة عن الوصول إليه، بعد أمرهما بالذهاب إليه، فلا تكرار، وفي التعبير بقولهما: ﴿رَبِّكَ﴾: إيماء (٢) إلى أن ما ادعيته من الربوبية لنفسك، مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، ولا أن يُنظر إليه نظرة الاعتبار والصدق: ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا﴾؛ أي: أطلق معنا ﴿بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: من الأسر، نذهب بهم إلى أرضهم؛ أي: فأطلقهم وخلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين، وكانت مسكنهم، وفلسطين بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين المهملة: هي البلاد التي بين الشام وأرض مصر، منها الرملة، وغزة، وعسقلان، وغيرها طهرها الله من دنس اليهود الغاصبين ورجسهم. اهـ "بحر العلوم".
وفي ذلك إدخال النقص على ملكه؛ لأنه كان محتاجًا إليهم فيما يريده من الأعمال، من بناء أو غيره ﴿وَلَا تُعَذِّبْهُمْ﴾ بتسخيرهم إياهم في شاق الأعمال، كالحفر والبناء، ونقل الأحجار، وقد كان المصريون يستخدمونهم هم ونساؤهم في تلك الأعمال، ويذبحون أبناءهم عامًا دون عام، ويستحيون نساءهم بأمر فرعون، وإنما بدأ بهذا الطلب دون دعوة هذا الطاغية وقومه إلى الإيمان؛ لأنه

(١) المراح.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon