﴿عَبْدَهُ﴾ بالرفع على إسناد الفعل إليه،
٣ - وقوله: ﴿إِذْ نَادَى﴾؛ أي: دعا: ظرف لرحمة ربك؛ أي: دعا ﴿رَبَّهُ﴾ في المحراب ﴿نِدَاءً خَفِيًّا﴾؛ أي: دعاءً سرًا من قومه في جوف الليل، ولقد (١) راعى - عليه السلام - في إخفاء دعائه، حسن الأدب، لأن الجهر والإسرار عند الله تعالى سيَّان، لكن الإخفاء أولى، لأنه أبعد عن الرياء، وأدخل في الإخلاص، وقيل: أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في غير وقته، وكان سنه وقتئذٍ تسعًا وتسعين على ما اختاره الكاشفيّ، ولكونه من أمور الدنيا، وقيل أخفاه مخافةً من قومه الذين خافهم أن يطلعوا عليه، وقيل خفت صوته لضعفه وهرمه لكونه قد صار ضعيفًا هرمًا لا يقدر على الجهر، كما يدل عليه قوله الآتي
٤ - ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾، وقيل لأن الإخفاء سنة الأنبياء، والجهر به يعدّ من الإعتداء، فإِن قلت (٢): شرط النداء الجهر، فكيف يكون خفيًا؟
قلت: دعا في الصلاة فأخفاه، قال بعضهم: النداء وإن كان بمعنى الصوت، لكن الصوت قد يتصف بالضعف، ويقال: صوت خفيٌّ وهو الهمس، فكذا النداء، والوجه في عبارة النداء الإشارة إلى شدة الإقبال والتوجه في الأمر المتوجه إليه، كما هو شأن الأنبياء ومن له بهم أسوة من كُمَّلِ الأولياء؛ والمعنى: أي: مما نقص عليك يا محمد، ذكر رحمة ربك عبده زكريا، حين دعا ربه دعاءً خفيًا مستورًا عن أعين الناس، وإنما أخفى دعاءه، لأنه أدل على الإخلاص، وأبعد من الرياء، وأقرب إلى الخلاص من لائمة الناس، على طلب الولد وقت الكبر والشيخوخة، وقصارى ذلك: أن في هذه السورة ذكر الرحمة التي رحم الله بها عبده زكريا، حين أسرَّ بدعائه إليه، ثم فصل كيفية دعائه بقوله: ﴿قَالَ رَبِّ﴾ استئناف وقع بيانًا للنداء؛ أي: قال زكريا: يا رب ﴿إِنِّي وَهَنَ﴾ وضعف ﴿الْعَظْمُ﴾ حالة كونه كائنًا ﴿مِنِّي﴾ فالجملة (٣) مفسرة لقوله: ﴿نَادَى رَبَّهُ﴾ يقال: وهن يهن وهنًا، إذا ضعف فهو واهن، وقرىء: بالحركات الثلاث، كما سيأتي، أراد أن عظامه فترت وضعفت قوته، وإنما أسند الوهن إلى العظم، لأنه عمود
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.