مآربه وفي قوله: ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ ذكر ما عوده الله من الإنعام عليه، بإجابة أدعيته، يقال: شقي بكذا؛ أي: تعب فيه ولم يحصل مقصوده منه،
٥ - ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ﴾؛ أي: خفت جور مواليّ وورثتي وبني عمّي الذين يخلفونني في السياسة وفي القيامة بأمر الدين ﴿مِنْ وَرَائِي﴾؛ أي: بعد موتي، فلا بدّ لي من الخلف، وهم بنو عمّه، وكانوا أشرار بني إسرائيل، فخاف - عليه السلام - أن لا يُحسنوا خلافته في أمته، ويبدّلوا عليهم دينهم، وقوله: ﴿مِنْ وَرَائِي﴾ متعلق بمحذوف؛ أي: فعل الموالي، أو جور الموالي، كما قدرنا آنفًا لا بـ ﴿خِفْتُ﴾ لفساد المعنى، والجملة (١): معطوفة على جملة قوله: ﴿إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ مترتب مضمونها على مضمونها، فإن ضعف القوى وكبر السن من مبادي خوفه ممن يلي أمره بعد موته.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿خِفْتُ الْمَوَالِيَ﴾ بكسر الخاء وسكون الفاء، على أن فاعله ضمير يعود إلى ﴿زَكَرِيَّا﴾ ومفعوله ﴿الْمَوَالِيَ﴾، وأسكن الزهري ياء ﴿الْمَوَالِيَ﴾ وقرأ عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وسعيد بن العاص، وابن يعمر، وابن جبير، وعلي بن الحسين، وولده محمد، وزيد، وشبيل بن عزرة، والوليد بن مسلم ﴿خِفْتُ الْمَوَالِيَ﴾ بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر تاء التأنيث وسكون ياء ﴿الْمَوَالِيَ﴾ على أنه فاعل ﴿خِفْتُ﴾؛ أي: قلوا وعجزوا عن القيام بأمر الدين بعدي، أو انقطعوا بالموت مأخوذًا، من خفت القوم إذا ارتحلوا، وهذه قراءة شاذة بعيدة عن الصواب، وقرأ الجمهور: ﴿وَرَائِي﴾ بالهمز والمد وسكون الياء، وقرأ ابن كثير: بالهمز والمد وفتح الياء، وروي عنه أنه قرأ بالقصر مفتوح الياء، مثل عصاي، واختلفوا في وجه المخافة من زكريا لمواليه من بعده، فقيل: خاف أن يرثوا ماله، وأراد أن يوثه ولده، فطلب من الله سبحانه أن يرزقه ولدًا، وقال آخرون: إنهم كانوا مهملين لأمر الدين، فخاف أن يضيع الدين بموته، فطلب وليًا يقوم به بعد موته، وهذا القول أرجح من الأول؛ لأن الأنبياء لا يورثون، وهم أجل من أن يعتنوا بأمور الدنيا،
(٢) البحر المحيط والشوكانى.