فليس المراد هنا وراثة المال، بل المراد وراثة العلم والنبوة والقيام بأمر الدين، وقد ثبت عن نبينا محمد - ﷺ - أنه قال: "نحن - معاشر الأنبياء - لا نورث، ما تركناه صدقة".
﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾؛ أي: لا تلد من حين شبابها، اسمها إيشاع بنت فاقوذ بن فيل، وهي أخت حنّة بنت فاقوذ أم مريم، والعاقر من الرجال والنساء: من لا يولد له ولد، وكان سنّها حينئذٍ ثمان وتسعين على ما اختاره الكاشفي، ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ﴾؛ أي: أعطني من محض فضلك الواسع، وقدرتك الباهرة، ﴿وَلِيًّا﴾؛ أي: ولدًا من صلبي
٦ - ﴿يَرِثُنِي﴾ من حيث العلم والدين والنبوة، فإن الأنبياء لا يورّثون المال كما مر آنفًا، ولم يصرّح بطلب الولد، لما علم من نفسه بأنه قد صار هو وامرأته في حالة لا يجوز فيها حدوث الولد بينهما وحصوله منهما.
فإن قلت (١): وقد وصف الوليَّ بالوراثة ولم يستجب له في ذلك، فإنَّ يحيى خرج من الدنيا قبل زكريا على ما هو المشهور.
قلتُ: الأنبياء وإن كانوا مستجابي الدعوة، لكنهم ليسوا كذلك في جميع الدعوات، حسبما تقتضيه المشيئة الإلهية المبنية على الحكم البالغة، ألا ترى إلى دعوة إبراهيم - عليه السلام - في حق أبيه وإلى دعوة النبي - ﷺ - حيث قال: "وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها". وقد كان من قضائه تعالى: أن يهبه يحيى نبيًا مرضيًا ولا يرثه، فاستُجيب دعاؤه في الأول دون الثاني ﴿وَيَرِثُ﴾ الملك ﴿مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ بن إسحاق بن إبراهيم - عليه السلام - وآل الرجل خاصته الذين يؤول إليه أمرهم للقرابة والصحبة، أو الموافقة في الدين، وقال (٢) الكلبي ومقاتل: هو يعقوب بن ماثان، أخو عمران بن ماثان، من نسل سليمان بن أبو مريم عليه السلام، وكان آل يعقوب أخوال يحيى بن زكريا، قال الكلبي: كان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وملوكهم، وكان زكريا رئيس الأحبار يومئذٍ، فأراد
(٢) روح البيان.