يكن قبل يحيى أحد يسمى بيحيى، وقيل؛ أي: شبيهًا في الفضل والكمال، فإنه لم يعص، ولم يهم بمعصية من حال الصغر، وأنه صار سيدَ الشهداء على الإطلاق، والأظهر (١): أن يحيى أعجمي، وإن كان عربياً فهو منقول عن الفعل، كيعمر ويعيش، وهذا شاهد بأن التسمية بالأسامي الغريبة تنويه للمسمّى وإياها كانت العرب تعني لكونها أنبه وأنوه وأنزه عن النير.
وفي إخباره سبحانه بأنه لم يسمَّ بهذا الاسم قبله أحد فضيلة له من جهتين (٢):
الأولى: أن الله سبحانه هو الذي تولى تسميته به، ولم يكلها إلى الأبوين.
والجهة الثانية: أن تسميته باسم لم يوضع لغيره، يفيد تشريفه وتعظيمه
٨ - ﴿قَالَ﴾ زكريا، استئناف بياني على سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال زكريا حينئذ، فقيل: قال: ﴿رَبِّ﴾ ناداه تعالى بالذات مع وصول خطابه تعالى إليه، بتوسط الملك للمبالغة في التضرع والمناجاة، والجد في التبتل إليه تعالى، والاحتراز عما عسى يوهم خطابه للملك من توهم أن علمه بما صدر منه متوقف على توسطه، كما أن علم البشر بما يصدر عنه سبحانه، متوقف على ذلك في عامة الأوقات ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾؛ أي: كيف يكون لي غلام!؟ أو من أين يحدث لي غلام!؟ وليس معنى هذا الاستفهام الإنكار، بل التعجب من قدرة الله تعالى، وبديع صنعه، حيث يخرج ولدًا من امرأة عاقر، وشيخ كبير، ﴿و﴾ الحال أنه قد ﴿كَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾؛ أي: لم تلد في شبابها وشبابي، فكيف وهي عجوز الآن ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ﴾ أنا ﴿مِنَ الْكِبَرِ﴾؛ أي: من أجل كبر السن ﴿عِتِيًّا﴾؛ أي (٣): يبوسةً وجفافًا، كالعود اليابس، من قولهم عتا العود إذا يبس، وعتا الشيخ إذا كبر وهرم وولى، ويقال لكل شيء انتهى قد عتا، وإنما استعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر اعترافًا بأن المؤثر فيه كمال قدرته، وأن الوسائط عند التحقيق

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon