المصلى، أو من الغرفة، والمحراب هنا: هو المسمى (١) عند أهل الكتاب بالمذبح، وهو مقصورة في مقدم المعبد، لها باب يصعد إليه بسلم ذي درج قليلة، يكون من فيه محجوبًا عمن في المعبد؛ أي: خرج عليهم من المحراب متغير اللون، منطلق اللسان بذكر الله منحبسه عن كلام الناس، وقد كانوا ينتظرون أن يفتح لهم الباب إذ كانَ من عادتهم أن يصلوا معه صلاتي الغداة والعشي في محرابه، فأنكروه صامتًا، وقالوا: مالك يا زكريا ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: أشار إليهم لقوله تعالى: ﴿إِلَّا رَمْزًا﴾؛ أي: أومأ زكريا إلى قومه برأسه ويده ﴿أَنْ سَبِّحُوا﴾ أن إما مصدرية أو مفسرة، لأوحى، والمعنى؛ أي: صلوا أو بأن صلوا ﴿بُكْرَةً﴾؛ أي: من طلوع الفجر إلى وقت الضحى، ﴿وَعَشِيًّا﴾: هو من وقت زوال الشمس إلى أن تغرب وهما ظرفا زمان التسبيح، وعن أبي العالية: أن المراد بها صلاة الفجر، وصلاة العصر، أو سبحوا ربكم ونزهوه عن الشريك والولد، وعن كل نقص، طرفي النهار، وقولوا: سبحان الله، ولعله (٢) كان مأمورًا بأن يسبح شكرًا، ويأمر قومه بذلك، كما في "الإرشاد".
يقول الفقير: هو الظاهر لأن معنى التسبيح في هذا الموضع تنزيه الله تعالى عن العجز عن خلق ولد يُستبعد وقوعه من الشيخين؛ لأن الله تعالى على كل شيء قدير، وقد ورد في "الأذكار": "لكل أُعجوبة سبحان الله" وقد كان أخبرهم بما بشر به قبل وجود الآية، فلما تعذر عليه الكلام.. أشار إليهم بحصول ما بشر به من ذلك الأمر العجيب في مجرى العادة فسروا به.
وقرأ طلحة (٣): ﴿أَنْ سَبِّحُوا﴾ بهاء الضمير عائدة على الله تعالى، وروى ابن غزوان عن طلحة: ﴿أن سبحن﴾ بنون مشددة من غير واو، ألحق فعل الأمر نون التوكيد الثقيلة،
١٢ - وقوله: ﴿يَا يَحْيَى﴾ على إرادة القول؛ أي: ووهبنا له يحيى، وقلنا له بعدما بلغ سنًا يؤمر فيه مثله يا يحيى ﴿خُذِ الْكِتَابَ﴾؛ أي: خذ التوراة التي هي نعمة الله علي بني إسرائيل ﴿بِقُوَّةٍ﴾؛ أي: بجد واجتهاد وحرص على العمل
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.