المناسبة
مناسبة أول هذه السورة لآخر السابقة قد مرّ بيانها آنفًا.
وقال أبو حيَّان (١): مناسبة هذه السورة لما قبلها: أنه لما ذكر في آخر السورة السَّالفة ﴿قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا﴾ قال مشركو قريش: محمد يهدّدنا بالمعاد، والجزاء على الأعمال، وليس بصحيح، وإن صحَّ ففيه بعد، فأنزل الله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾، انتهى.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لما ذكر فيما سلف إنكارهم لأن يكون الرسول بشرًا بقولهم: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ أجاب عن هذه الشبهة بأن هذه سنة الله في الرسل قبل محمد - ﷺ -، فهو ليس ببدع بينهم، وإن كنتم في ريب من ذلك، فاسألوا أهل الكتاب من قبلكم، ثم ذكر أنَّ الرسل كسائر البشر في سنن الطبيعة البشرية، يأكلون الطعام، ولا يخلدون في الأرض، بل يموتون كما يموت سائر الناس، وقد صدقهم الله وعده فينجيهم، ومن آمن بهم، ويهلك المكذبين لهم، وأعقب ذلك بأن في القرآن عظةً لهم لو كانوا يعقلون ما في تضاعيفه من مواعظ، وزواجر، وأجر ووعد ووعيد.
قوله تعالى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٢) إهلاكه للمسرفين في كفرهم بالله، والعاصين لأوامره، ونواهيه.. بيَّن هنا طريق إهلاكهم، وكثرة ما حدث من ذلك في كثير من الأمم، ثم بيّن أنه أنشأ بعد الهالكين قومًا آخرين، وأنهم حينما أحسوا بأس الله، فرّوا هاربين، فقيل لهم على ضرب من التهكم والسخرية: فلترجعوا إلى ما كنتم فيه من الترف والنعيم، وإلى تلك المساكن المشيّدة، والفرش المنجَّدة، فلعلكم تسألون عما جرى عليكم، ونزل بأموالكم ومنازلكم، فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة، ثم بعد أن يئسوا من الخلاص، وأيقنوا

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon