بالعذاب قالوا: هلاكًا لنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا، مستوجبين العذاب بما قدّمناه، وما زالوا يكرّرون هذه الكلمة، ويردّدونها، وجعلوها هجيراهم، حتى صاروا كالنبات المحصود، والنار الخامدة.
قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر (١) مطاعنهم في نبوة محمد - ﷺ - بتلك المقالات التى سلف ذكرها قفى على ذلك بذكر فساد تلك المطاعن، وبيان أن من أنكر نبوته فقد جعل تلك المعجزات التي ظهرت على يديه من باب العبث واللعب، تنزّه ربنا عن ذلك، فإنه ما خلق السماء والأرض وما بينهما إلَّا لعبادته، ومعرفته، ومجازاة من قام بهما بالثواب والنعيم، ومن لم يقم بذلك بالعقاب الأليم، ولن يتم علم هذا إلَّا بإنزال الكتب وإرسال الرسل، صلوات الله عليهم، فمنكر الرسالة جاعل خلق السماء والأرض لهوًا ولعبًا، تعالى خالقهما علوًا كبيرًا، ثم أردف هذا بالرد على من ادَّعى أنَّ المسيح ابن الله، وعزير ابن الله، بأنه لو اتخذ ولدًا لاتّخذه من الملائكة، وعقّب على هذا بأن الغلبة للحق دائمًا، مهما طال أمد الباطل، وأن جميع من في السموات والأرض كلهم عبيده، لا يستكبرون عن عبادته، ولا يملّون.
قوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لمّا (٢) بين في سابق الآيات، أن كثيرًا من الأمم المكذّبة لرسلها قد أبيدت، وأنشىء بعدها أقوام آخرون، وأنهم حين أحسّوا بالبأس، ارعووا وندموا حيث لا ينفع الندم، ثم أردف ذلك ذكر أن من في السموات والأرض عبيده، وأن الملائكة لا يستكبرون عن عبادته، ولا يكلّون ولا يملون منها.. ذكر هنا أنه كان يجب عليهم أن يبادروا إلى التوحيد، لكنهم لم يفعلوا ذلك بل فعلوا ضدّه، فكانوا جديرين بالتوبيخ، والتعنيف، ثم أقام البرهان على وحدانيته، وأنه لو كان في السموات والأرض إلهان لهلك من فيهما،
(٢) المراغي.