ويجوز أن يكون الظرف حالًا من المستكن في ﴿مُعْرِضُونَ﴾. وعبارة الشوكاني هنا: وهم في غفلة بالدنيا، معرضون عن الآخرة، غير متأهبين بما يجب عليهم من الإيمان بالله، والقيام بفرائضه، والانزجار عن مناهيه، انتهت.
وحاصل المعنى: أي (١) دنا حساب الناس على أعمالهم التي عملوها في دنياهم، وعلى النِّعَم التي أنعمها عليهم ربهم في أجسامهم، وعقولهم، ومطاعمهم ومشاربهم، ماذا عملوا فيها؟ هل أطاعوه فيها، فانتهوا إلى أمره ونهيه، أو عصوه فخالفوا أمره فيها، وهم في هذه الحياة في غفلة عما يفعل الله بهم يوم القيامة، ومن ثمّ تركوا الفكر والاستعداد لهذا اليوم، والتأهُّب له جهلًا منهم بما هم لاقوه حينئذٍ من عظيم البلاء، وشديد الأهوال، وآثر بيان اقتراب هذا اليوم مع أن الكلام مع المشركين المنكرين للبعث للإشارة إلى أن البعث لا ريب فيه، وأن الذي يرجى بيانه ذكر ما يستتبعه من الأحوال والأهوال كالحساب الموجب للاضطراب على وجه أكيد، ونهج سديد.
وخلاصة ذلك: أنه قد دنا وقت الساعة، وهم غافلون عن حسابهم، ساهون، لا يتفكرون في عاقبتهم، مع أن قضية العقل تقضي بجزاء المحسن والمسيء، وإذا هم نبهوا من غفلتهم بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا، وسدوا أسماعهم عن سماعه،
٢ - ثم ذكر ما يدل على غفلتهم، وإعراضهم بقوله: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ﴾؛ أي: ما يأتي هؤلاء المشركين ﴿مِنْ ذِكْرٍ﴾ ينبّههم عن سِنة الغفلة والضلالة، أي: (٢) طائفة نازلة من القرآن تذكرهم الحساب أكمل تذكير، وتنّبههم عن الغفلة أتم تنبيه، كأنها نفس الذكر والعظة ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ ﴿من﴾ لابتداء الغاية، متعلقة بـ ﴿يَأْتِيهِمْ﴾، أو صفة لـ ﴿ذِكْرٍ﴾ وفيه دلالة على فضله وشرفه، وكمال شناعة ما فعلوا به ﴿مُحْدَثٍ﴾ بالجر صفة لـ ﴿ذِكْرٍ﴾؛ أي: متجدد تنزيله بحسب اقتضاء الحكمة، ليكرر على أسماعهم التنبيه، كي يتعظوا، فالمحدث (٣) هو تنزيله في كل وقت على حسب المصالح، وقدر الحاجة، لا الكلام الذي هو صفة

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon