قديمة أزلية، وأيضًا الموصوف بالإتيان وبأنه ذكر هو المركب من الحروف والأصوات، وحدوثه مما لا نزاع فيه.
قلت: والأسلم الإمساك عن القول بحدوث القرآن وقدمه، وتفويض علم ذلك إلى الله سبحانه، فإنه لم يسمع من النبي - ﷺ -، ولا من السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم شيء من الكلام في ذلك.
قالوا: القرآن اسم مشترك يطلق على الكلام الأزلي الذي هو صفة الله، وهو الكلام النفسي القديم، من قال بحدوثه كفر.
ويطلق أيضًا على ما يدل عليه وهو النظم المتلو الحادث، من قال بقدمه سجّل على كمال جهله. وقيل: الذكر المحدث ما قاله النبي - ﷺ -، وبيّنه من السنن والمواعظ سوى ما في القرآن وأضافه إليه؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ قاله في "الخازن".
وقرأ الجمهور (١): ﴿مُحْدَثٍ﴾ بالجر صفة لـ ﴿ذكر﴾ على اللفظ. وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع، صفة لـ ﴿ذكر﴾ على المحل. وقرأ زيد بن علي بالنصب، على الحال من ذكر، إذ قد وصف بقوله: ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾.
﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ﴾ من النبي عليه السلام أو غيره ممن يتلوه. استثناء مفرغ محله النصب على أنه حال من مفعول ﴿يَأْتِيهِمْ﴾ بإضمار قد. ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾؛ أي: يستهزئون به، ويستسخرون منه لتناهي غفلتهم، وفرط إعراضهم عن النظر في الأمور، والتفكر في العواقب. وجملة ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ في محل نصب على الحال أيضًا من فاعل ﴿اسْتَمَعُوهُ﴾. يقال: لعب إذا كان فعل فعلًا غير قاصد به مقصدًا صحيحًا.
٣ - ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ حال أخرى؛ أي ساهيةً معرضةً غافلةً قلوبهم عن ذكر الله تعالى. يقال: لها عنه إذا ذهل وغفل. قال الراغب: اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه، يقال: لهوت بكذا، ولهيت بكذا، اشتغلت عنه، يلهو وألهاه عن كذا شغله عما هو أهم. وقرأ ابن أبي عبلة، وعيسى ﴿لَاهِيَةً﴾ بالرفع على

(١) الجر المحيط.


الصفحة التالية
Icon