أنه خبر لقوله: ﴿وهم﴾ والمعنى (١): ما يأتيهم ذكر من ربهم، مُحْدَثٍ في حال من الأحوال إلا حال استماعهم إياه، لاعبينَ مستهزئينَ به لاهين متشاغلينَ عن التأمل فيه، لتناهي غفلتهم، وفرط إعراضهم عن النظر في الأمور، والتفكر في العواقب.
قدم اللعب على اللهو تنبيهًا على أنهم إنما أقدموا على اللعب، لذهولهم عن الحق، فاللعب الذي هو السخرية والاستهزاء نتيجة اللهو، الذي هو الغفلة عن الحق، والذهول عن التفكر. قال بعضهم: القلب اللاهي: هو المشغول بأحوال الدنيا، والغافل عن أحوال العقبى. قال الواسطي: لاَهِيةً عن المصادر والموارد، والمبدأ والمنتهى.
وقصارى ذلك: أنه (٢) ما ينزل الله من قرآن ويذكرهم به إلَّا استمعوه وهم لاهون لاعبون مستهزئون.
والخلاصة: أنه ما جدد لهم الذكر وقتًا فوقتا، وكررَّ على أسماعهم التنبيه، والموعظة لعلهم يتعظون، إلا زادَهم ذلك سخرية واستهزاء، وفي هذا ذم لأولئك الكفار، وزَجْر لغيرهم عن مثله، فالانتفاع بما يُسْمَعُ لا يكون إلا بما يرجع إلى القلب من تدبر وتفكر، وإلا حصل مجرد إلاستماع الذي تشارك البهيمة فيه الإنسان.
وبعد أن ذكر ما يُظْهِرَونَه حين الاستماع من اللهو واللعب، ذَكَرَ ما يخفونه بقوله: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾؛ أي: وأمر هؤلاء الذين اقْتَرَبَتِ الساعة منهم، وهم في غفلتهم معرضون التناجي بينهم، وأخفوه عن سواهم. والنجوى في الأصل: مصدر، ثم جُعِلَ اسمًا من التناجي بمعنى القول الواقع بطريق المسارة؛ أي: السر بين اثنين فصاعدًا. يقال: تناجى القوم إذا تساروا، وتكالموا سرًا عن غيرهم. ومعنى (٣) إسرارها مع أنها لا تكون إلا سرًا أنهم بالغوا في إخفائها. وقوله: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ على أنفسهم بالشرك، والمعصية. بدل (٤) واو ﴿أسروا﴾ للإيماء بأنهم ظلموا فيما أسروا به. أو فاعل له والواو علامة الجمع، أو مبتدأ، والجملة المتقدمة خبره، وأصله: وهؤلاء الغافلون أسروا النجوى، فوضع

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) البيضاوي.


الصفحة التالية
Icon