وخذلانه في الدنيا؛ لأنه لا يدْلِي بحجةٍ من العقل، ولا ببرهان من الوحي، ثم بين ما يؤول إليه أمره من النكال في الدنيا، والخزي في الآخرة، ثم ذكر متابعيه وعمم خسارتهم في الدارين، وأردف ذلك ذكر حال المؤمنين، وما يلقونه من السعادة، والنعيم في الدار الآخرة.. قفى على ذلك، بذكر المجادل عنهم، وعن دين الله، بالتي هي أحسن، وهو رسول الله - ﷺ -، وبالغ في إثبات نصره بمالا مزيد عليه، ثم ذكر شأن كتابه، وأنه آيات واضحات، ترشد إلى سواء السبيل.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه سبحانه، لما ذكر أنه يهدى من يريد.. أتبعه ببيان من يهديه ومن لا يهديه.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه سبحانه لما أبان فيما سلف، أنه يقضي بين أرباب الفرق السالفة يوم القيامة، وهو شهيد على أقوالهم وأفعالهم.. أردف هذا ببيان أنه ما كان ينبغي لهم أن يختلفوا، ألا يرون أن جميع العوالم العلوية والسفلية كبيرها وصغيرها، شمسها وقمرها ونجومها وجبالها وحيوانها ونباتها، خاضعة لجبروته، مسخرة لقدرته، وقد كان في هذا مفتاح لهم لو أرادوا، ولكن من يهنه الله، ويكتب عليه الشقاء فلا يستطيع أحد أن يسعده، فالله وحده هو القدير على الإشقاء والإسعاد.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ...﴾ الآيتين، عن عمران بن حصين وغيره (١): أن هاتين الآيتين، نزلتا في غزوة بني المصطلق ليلًا، فنادى رسول الله - ﷺ -: "فحثوا المطي" حتى كانوا حول رسول الله - ﷺ -، فقرأ عليهم، فلم ير باكياً أكثر من تلك الليلة، فلمّا أصبحو!، لم يحطوا السروج عن الدواب، ولم يضربوا الخيام، ولم يطبخوا، والناس بين باك، وجالس حزين متفكر، فقال رسول الله - ﷺ -: "أيُّ يوم ذلك"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذلك يوم، يقول الله لآدم: قم، فابعث من ذريتك بعث النار". أخرجه (٢) سعيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد والترمذي، وصححه، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم،
(٢) الشوكاني.