فيكون الذهول والوضع، الآيتان على حقيقتهما. وقيل: تكون الزلزلة يوم القيامة، فيحملان على التمثيل، والأظهر ما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - "إن زلزلة الساعة قيامها"، فيكون معناها، أن الزلزلة الواقعة عند قيام الساعة ﴿شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ لا يحيط به الوصف، فلا بد من التقوى، لتخليص النفس من العذاب؛ أي: أمر هائل وخطر عظيم لا يعرف قدره إلا موجده، وإذا كانت الزلزلة وحدها لا تحتمل، فما بالك بما يحدث في ذلك اليوم من الحشر، والجزاء والحساب على الأعمال، لدى من لا يغيب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. والزلزلة (١): التحريك الشديد، بطريق التكرير، كما يدل عليه تكرير الحروف؛ لأن زلزل مضاعف زل. والساعة عبارة عن القيامة، سميت بذلك لسرعة حسابها كما في "المفردات"، والمعنى: أن (٢) شدة حركة الأرض، في قرب الساعة، في نصف رمضان معها طلوع الشمس، من مغربها، أمر حادث جليل هائل، لا تدرك العقول كنهه.
روي عن رسول الله - ﷺ -، في حديث الصور: أنه قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ونفخة الصعقة، ونفخة القيام لرب العالمين، وأنه عند نفخة الفزع، يسير الله الجبال، وترجف الراجفة تتبعها الرادفة، قلوب يومئذٍ واجفة، وتكون الأرض كالسفينة تضربها الأمواج أو كالقنديل المعلق ترجرجه الرياح.
٢ - ثم بين شيئًا من أهوال هذا اليوم، فقال: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا﴾ انتصاب الظرف بما بعده، والضمير يرجع إلى الزلزلة؛ أي: وقت رؤيتكم تلك الزلزلة ﴿تَذْهَلُ﴾؛ أي: تشغل وتغفل دهشة وحيرة، ﴿كُلُّ مُرْضِعَةٍ﴾؛ أي: كل امرأة ملتبسة بإرضاع ولدها ﴿عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾؛ أي: عن ولدها الذي ترضعه، وهو أعز شيء لديها، فكيف بذهولها عن سواه، وهذا على جعل ﴿ما﴾ موصولًا اسميًا، وقال المبرد (٣): إن ﴿ما﴾ في ﴿عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ مصدرية؛ أي: تذهل عن إرضاعها، قال: وهذا يدل على، أن هذه الزلزلة في الدنيا، إذ ليس بعد القيامة حمل وإرضاع إلا أن يقال: من ماتت مرضعة بعثت كذلك، ويقال: هذا مثل كما يقال: {يَوْمًا يَجْعَلُ
(٢) المراح.
(٣) الشوكاني.