كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} وشك ﴿مِنَ الْبَعْثِ﴾ والإعادة والقيامة. وعبر سبحانه بالريب، مع أنهم موقنون بعدم حصوله، إيذانًا بأن أقصى ما يمكن صدوره منهم، وإن بلغوا غاية المكابرة والعناد هو الارتياب في شأنه، أما الجزم بعدم إمكانه، فلا يدور بخلد عاقل على حال.
وقرأ الجمهور (١): ﴿البعث﴾ بسكون العين، والكوفيون إسكان العين، عندهم تخفيف يقيسونه بما وسط حرف حلق، كالنهْر والنهَر والشعْر والشعَر، والبصريون لا يقيسونه، وما ورد من ذلك هو عندهم، مما جاء فيه لغتان، وقرأ الحسن ﴿من البعث﴾ بفتح العين، وهي لغة فيه، كالحلب والطرد في الحَلْب والطَرْد، والبعث (٢): الإخراج من الأرض والتسيير إلى الموقف، وجيء بإن مع كثرة المرتابين لاشتمال المقام على ما يقلع الريب من أصله، وتصوير أن المقام لا يصلح إلا لمجرد الفرض له، كما يفرض المحال. وشكهم يحتمل أن يكون في وقوعه أو في إمكانه؛ أي: إن كنتم في شك من إمكان الإعادة. وكونها مقدورة له تعالى، أو من وقوعها، ﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ﴾ ليس جزاء للشرط؛ لأن خلقهم مقدم على كونهم مرتابين، بل هو علة للجزاء المحذوف، والمعنى: يا أيها الناس إن كنتم في شك من إمكان الإعادة، أو من وقوعها، فانظروا إلى مبدأ خلقكم، ليزول عنكم الريب، ويرتفع الشك، وتدحض الشبهة الباطلة؛ لأنا خلقنا كل فرد منكم خلقًا إجماليًا ﴿مِنْ تُرَابٍ﴾ في ضمن خلق أبيكم آدم منه.
والخلاصة: إن شككتم في بعثكم، فتدبروا أمر خلقكم وابتدائكم، فإنكم لا تجدون في القدرة، فرقا بين الابتداء والإعادة. ﴿ثُمَّ﴾ خلقناكم خلقًا تفصيلياً ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾؛ أي: من منيّ، وهي الماء الصافي قل أو كثر، ويعبر بها عن ماء الرجل من نطف الماء إذا سال، أو من النطف وهو الصبّ، ﴿ثُمَّ﴾ خلقناكم ﴿مِنْ عَلَقَةٍ﴾؛ أي: من قطعة من الدم جامدة، مكوّنة من المني، ﴿ثُمَّ﴾ خلقناكم ﴿مِنْ مُضْغَةٍ﴾؛ أي: قطعة من اللحم، مكوّنة من العلق، وهي في الأصل، مقدار ما

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon