يمضغ ﴿مُخَلَّقَةٍ﴾ بالجر صفة مضغة؛ أي: تامّة التصوير والتخطيط والحواس ومستبينتها ﴿وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾؛ أي: وناقصة في هذه الأمور وغير مستبينتها، والمراد تفصيل حال المضغة وكونها أولًا قطعة لم يظهر فيها شيء من الأعضاء، ثم ظهر بعد ذلك شيء، لكنّه أخر غير المخلقة على خلاف الترتيب الطبعي لكونها عدم الملكة، والعدم مؤخر عن الوجود، كذا في "الإرشاد" ويؤيده قول صاحب "التأويلات" ﴿مُخَلَّقَةٍ﴾؛ أي: منفوخة فيها الروح ﴿وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾؛ أي: صورة لا روح فيها، أو المعنى (١)؛ أي: ثم من قطعة من اللحم مسوّاة لا نقص فيها، ولا عيب في ابتداء خلقها، ومضغة غير مسوّاءة فيها عيب، وبهذا التفاوت في الخلق يتفاضل الناس في صورهم، وأشكالهم وطولهم وقصرهم. وفي "الفتوحات" قوله: ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ هذا تقسيم على سبيل التسمح، فإن كل مضغة تكون أولًا غير مخلقة، ثم تصير مخلقة، ولو جاء النظم هكذا: ثم من نطفة غير مخلقة، ثم من مخلقة لكان أوضح.
وعبارة أبي السعود: كان مقتضى الترتيب السابق، المبني على التدريج من المبادىء البعيدة على القريبة، أن يقدم غير المخلقة على المخلقة، وإنما أخرت عنها لأنها عدم الملكة. اهـ. وقال القرطبي: قال ابن زيد: المخلقة: التي خلق الله فيها الرأس، واليدين والرجلين، وغير المخلقة: التي لم يخلق فيها شيء. أو يقال: إن الواو لا تقتضي ترتيبًا، فكأنه قال: غير مخلقة ومخلقة، وقد يقال: إن الإثبات مقدم على النفي؛ لأن غير مخلقة من قبيل النفي، وقيل غير ذلك. وفي "الفتوحات" أيضًا: تأمل (٢) في هذا الترتيب، فإنه يقتضي أن الإنسان الكامل خلق أولًا من نطفة، ثم ثانيًا من علقة، ثم ثالثًا من مضغة، مع أن أصل الخلق من نطفة، ثم صارت النطفة علقة، ثم صارت العلقة مضغة، كما يصرح به قوله في آية أخرى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً...﴾ إلخ، إلا أن يقال: فإنّا صيرنا مادة خلقكم من تراب، ثم من نطفة إلخ، وقرأ ابن أبي عبلة ﴿مخلقة﴾ بالنص ﴿وغير﴾ بالنصب أيضًا، نصبًا على الحال من النكرة المتقدمة، وهو قليل وقاسه سيبويه.

(١) المراغي.
(٢) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon